أتمنى أن يكون مصطلحاً جديداً نتعلمه ونعلمه أبناءنا، ليكون هو الدليل الذي نتعرف به على كل مؤسسة أو منظمة أو جهة تتاجر بالإنسانية، وتستخدم منابرها لكسب تعاطف وأصوات العالم لمصالح أربابها باسم مساعدة المضطهدين. هذه العينة هم المتهمون بتطفيف الحقوق وتزييف معنى الإنسانية الحقيقي. هؤلاء دائماً ما يطمسون الحقوق التي لا تناسبهم ولا تتماشى مع مصالحهم، فإن لم يستطيعوا طمسها تكلموا عنها باستحياء. في عُرفهم إن لم يكن فهمك للإنسانية بطريقتهم الشاذة التي يرونها فأنت شخص رجعي ولست بإنساني. قوّتهم التي يتغلبون بها علينا هي الإعلام. ودستورهم الخفي والمعمول به منذ عقود هو أن يكون ميزان العدالة والحقوق مبرمجاً على أن حسنة أربابهم بعشر أمثالها وكل عشر سيئات بواحدة، أما نحن فالعكس صحيح على هذا الميزان الظالم؛ فالسيئة تضاعف لنا بمئات السيئات، وعشرات الحسنات التي نفعلها لا يرونها إلا واحدة.
ما جعلني أسترسل في فضحهم بهذه المقدمة هو الفعل الجميل والمستغرب من أحد منظماتهم قبل عدة أيام. ففي ٩ مايو ٢٠١٩ قامت "هيومن رايتس ووتش" بهجوم أظن أنه الأول من نوعه على جماعة الحوثي الإرهابية. وبعدها بثلاثة أيام قاموا بفس الشيء وهو بالهجوم على قطر، وكشف حقائق ما حصل من اضطهاد وظلم لقبيلة الغفران من قبل النظام القطري. للأمانة وأثناء مداخلتي على قناة "العربية" للتعليق حول التقرير الذي يخص قبيلة الغفران كان يدور في رأسي أمر واحد فقط، وهو: ما سر اهتمام "هيومن رايتس ووتش" بهذا الملف الآن؟ كنت أعلم أن هناك هدفاً من هذه التقارير، لذلك لم أقم بالثناء المفرط لهم، ولكن قلت على منبر "العربية": إن هذه البادرة طيبة منهم، ونريد المزيد، فتقرير واحد لا ينصف معاناة ٢٣ سنة.
الذي اتضح لي بعد البحث عن أسباب هذا التغير المفاجئ لـ"هيومن رايتس ووتش" هو أن النظام التركي الحليف كثرت عليه علامات الاستفهام. فبعد مسرحية "أردوغان" وإعادة التصويت في إسطنبول جاءت الطامة الكبرى وهي اغتيال الفلسطيني زكي مبارك في سجون "أردوغان". لذلك توجب عليهم تفعيل ملفات ليست في صالحهم مثل محاربة الحوثي ومناصرة قبيلة الغفران؛ لتخفيف الضغط على حليفهم التركي، وفي نفس الوقت إشغال الرأي العام عن قضية زكي مبارك.
في الختام، أعلم أنهم سيقومون بنسيان هذه الملفات كملف قبيلة الغفران وسيُفعّلونها باستحياء في أوقات غير مناسبة لتحجيم تأثيرها العالمي. والهدف من هذا كله هو عدم تعكير صفو أربابهم بتحريك عصبهم الحي، والدليل أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الإنسمالية لم تتحدث عن الشأن التركي ولا عن اغتيال زكي مبارك في هذه الفترة الحساسة؛ لأن النظام التركي لم يعد يتحمل أي ضغط، أما قطر والحوثي فيستطيعان استيعاب وتحمّل هذه الهجمة عليهم، لذلك تم توجيه خطابهم الإنساني المضاد على قطر والحوثي، والذي يستترون به أمامنا لكي يقولوا لنا: نحن على مسافة واحدة من الجميع.
أنصح نفسي أولاً وجميع إخواني وأخواتي الحقوقيين بأن يرسموا الأوقات المناسبة لإثارة ملفاتهم الحقوقية في الإعلام، وألا ينجرفوا مع ما يُرسم لهم من قبل هذه المنظمات الإنسمالية.