أكد رئيس وزراء تايلاندا "سريتا تافيسين" أن العلاقات السعودية التايلاندية تشهد تحسنًا هائلًا بسبب التبادلات التجارية والاستثمارية الجديدة وأوجه التواصل المتبادل بين شعبي البلدين. ومع ذلك أشار إلى أن ما رآه خلال زيارته للمملكة في شهر أكتوبر الماضي قد أعجبه جدًّا.
وأضاف في حوار أجرته معه صحيفة "عرب نيوز": الْتقيتُ بمسؤولين من شركة سابك، يركزون على كل الأعمال الزراعية. كما التقيت بمسؤولين من أرامكو، وهي أكبر شركة نفط في العالم. والْتقيتُ أيضًا بمسؤولين من صندوق الاستثمارات العامة، أي صندوق الثروة السيادية، وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وأضاف: "أذهلني حجم ما تحاولون القيام به والإمكانات التي تتمتع بها البلاد. أعيد وأكرر، أن الاستثمارات العابرة للحدود التي قمتم بها حول العالم هي أمر يجب على باقي دول العالم تقديره ومحاكاته".
واستكمالًا لحديثه عن المملكة، قال السيد تافيسين: "أنتم لا تتمتعون بقوة مالية فحسب؛ بل إنكم قادرون أيضًا على تحديد ما لا تمتلكونه ومحاولة تأمينه لبلدكم. فعلى سبيل المثال، يُعد الأمن الغذائي مهمًّا جدًّا".
وأتى أيضًا على ذكر بعض مشاريع المملكة مثل "الخدمات اللوجستية ومشروع ذا لاين (مشروع نيوم المميز) ومطار الرياض"، الذي قال إن "حجمه سيصبح ضِعف حجم مطار دبي خلال السنوات العشر القادمة. إنه لأمر مثير للإعجاب. إنه فعلًا كذلك".
وجاء نص الحوار كما سردته الزميلة "عرب نيوز":
المؤشر الأكبر على التوازن الدقيق الذي تلعب عليه تايلاند بين الشرق والغرب هو اقتراح رئيس وزرائها على صحيفة "عرب نيوز" إجراء المقابلة معه في مقهى ستاربكس المحلي، الموجود في الحي الصيني في يوم رأس السنة الصينية الذي يعد عيدًا مهمًّا جدًّا.
ولكن "سريتا تافيسين" ليس بسياسي عادي. فقبل توليه رئاسة الوزراء، كان السيد تافيسين رجل أعمال ناجحًا ومعروفًا بكونه يدير جدول أعماله بدقة شديدة. وفي الواقع، بدأ حديثه بالقول إن من مسؤوليته "بيع تايلاند"؛ وهو أمر لم يحدث في الماضي؛ بحسب قوله. أما الآن وبعد مرور ستة أشهر تقريبًا على توليه منصبه، اعتبر عملاق العقارات، الذي قرر خوض غمار السياسة، أن الأولوية بالنسبة له تكمن في السفر وإخبار العالم بأن أبواب بلاده مشرعة أمام الراغبين بالعمل معها.
وأشار السيد تافيسين إلى أن "الناس يجهلون واقع قطاع الأعمال في تايلاند لأنه على مدى السنوات التسع أو العشر الماضية، لم تقم تايلاند بالتسويق لنفسها. ولكن منذ توليتُ منصبي (في شهر أغسطس من العام الماضي)، تمثلت الأولوية القصوى بالنسبة لي في السفر وإخبار العالم بأن أبواب تايلاند مشرعة أمام الراغبين بالعمل معها".
وأكمل أن هذا ينطبق "سواء أرادوا العمل في مجال الاستثمار أو التجارة أو التبادل الإنساني في مختلف القطاعات، مثل السياحة أو التعليم أو الدعم الفني مثلًا".
إن ما نقوله ليس مبالغة (أو يمكنكم القول إن التجربة، أو بالأحرى التجربة التايلاندية، هي أكبر برهان على ذلك)؛ إذ وصل السيد تافيسين إلى الاجتماع مرتديًا قميصًا أحمر اللون، وهو اللون التقليدي الذي يرمز إلى السنة الصينية الجديدة. وعند مغادرتنا المقهى الأمريكي للتوجه إلى الحي الصيني الصاخب، تجمع حوله عدد من السياح والسكان المحليين، كان بعضهم صينيين وأوروبيين والعدد الأكبر تايلانديين. وفرحت عائلة دنماركية جدًّا؛ حيث حدث ما لم تكن تتوقعه، إذ تمكنت من أخذ صورة سيلفي مع رئيس وزراء المملكة.
ومازَحَنا السيد تافيسين مشيرًا إلى تقليد محلي ينص على أنه لا يجب على المرء العمل يوم رأس السنة الصينية؛ حيث اعتبر أن "الناس يقولون إنك إذا ما عملت يوم رأس السنة الصينية؛ فسيتعين عليك العمل بجد طوال العام. ولكنني كنت أعمل. وفي كل عام، على الرغم من أنني آخذ إجازةً في يوم رأس السنة؛ يتعين عليّ العمل بجد كل يوم".
وعند سؤاله عن الطريقة التي تمكنت من خلالها تايلاند من تحقيق هذا التوازن بين علاقاتها مع الشرق والغرب؛ لا سيما وأن الصين (وهي ثاني أكبر شريك تجاري لتايلاند وتتشارك معها عنصرًا عرقيًّا ونفوذًا ثقافيًّا) لا تتفق مع الولايات المتحدة (وهي الشريك التجاري الأكبر لبانكوك وتتعاون معها أيضًا في المجال الأمني)؛ أجاب السيد تافيسين قائلًا: "طبعًا، لأننا دولة محايدة ولسنا على صراع مع أي جهة. ويمكنك بالتالي أن تلتقي بأشخاص من أوروبا الشرقية وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا وأوروبا، وأمريكا".
وأضاف معتبرًا أنه "بسبب موقفنا الدبلوماسي، لسنا طرفًا في الصراع، إذ إننا نؤمن بالسلام الدائم والازدهار المشترك".
وفي سياق تسليطه الضوء على فوائد الاستثمار في بلاده، أشار السيد تافيسين إلى أن جذب العمال الأجانب المتخصصين يتطلب توفير مرافق جيدة لهم.
وشدد على هذا الموضوع معتبرًا "أنه أمر مهم للغاية بالنسبة لرجال الأعمال، كوجود المدارس الدولية ذات المستوى الجيد مثلًا. فالمغتربون، مثل حضرتك، عندما يأتون إلى البلاد، سيأتون مع عائلاتهم. أي مدرسة سيرتاد أطفالهم؟ بالتالي يجب التأكد من وجود مدارس دولية ذات المستوى الممتاز".
وكونه رجل أعمال سابق، يدرك السيد تافيسين جيدًا أين تكمن الفرص الرئيسية؛ حيث تتصدر دولة واحدة هذه القائمة: المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، طلب إجراء هذه المقابلة مع صحيفة "عرب نيوز" في الأساس بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لإعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتايلاند، والتي علقت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي حتى شهر يناير 2022 على خلفية حادث دبلوماسي.
وقد شهدت العلاقات، منذ المصالحة، تحسنًا هائلًا بسبب التبادلات التجارية والاستثمارية الجديدة، وأوجه التواصل المتبادل بين شعبي البلدين. ومع ذلك رأى السيد تافيسين أن من الممكن جدًّا تعزيز العلاقات أكثر؛ مشيرًا إلى أن ما رآه خلال زيارته للمملكة في شهر أكتوبر الماضي قد أعجبه جدًّا.
وقال شارحًا: "التقيتُ بمسؤولين من شركة سابك، يركزون على كل الأعمال الزراعية، كما التقيت بمسؤولين من أرامكو، وهي أكبر شركة نفط في العالم. والتقيت أيضًا بمسؤولين من صندوق الاستثمارات العامة، أي صندوق الثروة السيادية، وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وأضاف: "أذهلني حجم ما تحاولون القيام به والإمكانات التي تتمتع بها البلاد. أعيد وأكرر أن الاستثمارات العابرة للحدود التي قمتم بها حول العالم هي أمر يجب على باقي دول العالم تقديره ومحاكاته".
واستكمالًا لحديثه عن المملكة، قال السيد تافيسين: "أنتم لا تتمتعون بقوة مالية فحسب؛ بل إنكم قادرون أيضًا على تحديد ما لا تمتلكونه ومحاولة تأمينه لبلدكم. فعلى سبيل المثال، يعد الأمن الغذائي مهمًّا جدًّا".
وأتى أيضًا على ذكر بعض مشاريع المملكة مثل "الخدمات اللوجستية ومشروع ذا لاين (مشروع نيوم المميز) ومطار الرياض"، الذي قال إن "حجمه سيصبح ضِعف حجم مطار دبي خلال السنوات العشر القادمة. إنه لأمر مثير للإعجاب. إنه فعلًا كذلك".
وفي مجرى حديثه عن سياسات السعودية البيئية، بما في ذلك مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة في مختلف مناطق المملكة خلال السنوات المقبلة، قال السيد تافيسين إنه يمكن لتايلاند إن تقدم الدعم اللازم في هذا المجال؛ لا سيما عبر تصدير الشتلات لإعادة زراعتها.
وتُعَد اليد العاملة إحدى أهم صادرات تايلاند؛ حيث للعمال التايلانديين وجود في العديد من القطاعات حول العالم، كما أنهم معروفون بأخلاقيات العمل القوية التي يتمتعون بها وبكونهم ودودين. وفي الواقع، يوجد حاليًا حوالى 8.000 عامل تايلاندي في السعودية، ومن شأن تعزيز العلاقات بين البلدين أن يرفع هذا العدد بشكل سريع.
وبحسب السيد تافيسين؛ زعزع التصعيد الأخير للصراع بين إسرائيل وحركة حماس بشكل كبير واحدةً من أكثر الأسواق ربحيةً بالنسبة للعمالة التايلاندية المتخصصة، أي إسرائيل. فخلال الهجوم الذي قادته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، قُتِل حوالى 1.200 شخصًا، كان من بينهم ما لا يقل عن 39 مواطنًا تايلانديًّا. كما احتجز المسلحون نحو 240 رهينةً، من بينهم 32 عاملًا تايلانديًّا.
وقد تم إطلاق سراح 23 منهم حتى الآن نتيجة صفقة منفصلة للإفراج عن الرهائن أُبرمت بين تايلاند وحركة حماس بوساطة أطراف ثالثة. ويريد السيد تافيسين إطلاق سراح باقي الرهائن.
وقد تساءل: "هل نحن جزء من الصراع؟ لسنا طرفًا في الصراع. كل ما نريده هو تحقيق السلام والازدهار المشترك. كل ما نريده هو ضمان سلامة شعبنا. كل ما نريده هو إطلاق سراح الرهائن الثمانية المتبقين. ولا زلنا حتى هذه اللحظة، لا نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة".
وأكمل: "هل نحن المسؤولون عما حصل؟ كلا. فقد ذهبنا إلى هناك للمساعدة في تنمية الاقتصاد. إن هؤلاء الأشخاص ليسوا بجواسيس. كانوا يعملون في الحقل".
وعلى الرغم من الأذى الذي لحق بالمواطنين التايلانديين خلال هجوم السابع من أكتوبر، ضمت تايلاند صوتها إلى صوت الدول الأخرى التي دعت إسرائيل إلى وقف حملتها الانتقامية ضد قطاع غزة، متمسكةً بالتالي بسياسة الحياد التي تنتهجها.
وقال السيد تافيسين: "نريد وقفًا لإطلاق النار. (عندما أتحدث مع قادة العالم، أسألهم): كيف يمكن إنهاء هذا الصراع؟".
كما أضاف سائلًا: "كيف يمكننا أن نتحدث عن الطاقة الخضراء والتنمية الاقتصادية والتجارة والتبادل التجاري، بينما الناس يموتون؟ ليس من الصواب فعل ذلك، ليس من الصواب".
ولا يُعد هذا الصراع الإقليمي الوحيد الذي وجد فيه العمال التايلانديون أنفسهم بحاجة للإجلاء. فعندما بدأت الأزمة في السودان في 15 أبريل من العام الماضي، فتحت السعودية مجالها الجوي أمام القوات الجوية الملكية التايلاندية لإجلاء مواطنيها من الدولة الشرق إفريقية التي مزقتها الحرب.
وتعليقًا على ذلك، قال السيد تافيسين: "إننا ممتنون لذلك".
ويشكل المسلمون حوالى 5% من سكان تايلاند؛ حيث يسافر آلاف المواطنين التايلانديين كل عام إلى السعودية لأداء مناسك الحج. وقد استمر هذا الأمر حتى في السنوات الطويلة التي كانت خلالها العلاقات بين البلدين مقطوعةً.
وأشار هنا إلى أنه "كان الملايين من الأشخاص يتوجهون إلى مكة المكرمة".
كما قال المسلمون التايلانديون الذين تحدثوا إلى صحيفة "عرب نيوز" إنهم يرغبون في أن تزيد الحكومة عدد الحجاج المسموح لهم بالسفر إلى السعودية لأداء مناسك الحج وعدد الرحلات الجوية المتوفرة.
وتعليقًا على ذلك، قال السيد تافيسين: "لم أكن على علم بأن الأعداد ليست كافيةً. وبالطبع، لديهم رحلاتهم الجوية المتوجهة إلى هناك. كوننا حكومة أتت من الشعب، علينا الاستماع إلى ما يحتاجه الناس".
وشهدت المقاطعات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة في تايلاند عقودًا من الاضطرابات. ونتيجةً لذلك، يقول السيد تافيسين إن حكومته تعمل على تعزيز الاقتصاد المحلي في الجنوب من أجل تشجيع الاستقرار في تلك المنطقة.
وأضاف: "إذا ما كنتم تتابعون أخبار تايلاند لفترة طويلة، ستكونون على علم بأنه كان هناك مشكلة في أقصى الجنوب؛ حيث شهدت ثلاث أو أربع مقاطعات في أقصى الجنوب بعض المشاكل مؤخرًا".
وشدد قائلًا: "أود أن يحصل عدد أكبر من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية على دخل أكبر من المنتجات الزراعية".
كما يشير السيد تافيسين أيضًا إلى أنه يريد أن يتمتع مواطنوه بمزيد من الحريات الشخصية والازدهار؛ حيث قال: "بشكل عام، أتكلم عن رفاهية الناس وتوفر المزيد من المال في جيوبهم، كما تحرير قلوبهم ليفعلوا ما يريدون ويكونوا ما يريدون".