مرَّ زمن طويل والمثقفون يطالبون بوزارة للثقافة، ترعى شؤونهم. وقد تم إنشاء وكالة للثقافة ملحقة بوزارة الإعلام، قدمت جهدها في مرحلة ما، ولكن بقيت المطالبات بفصل الثقافة عن الإعلام حتى يحقق المثقفون المهام المناط بهم تحقيقها من خلال وزارتهم. وجاءت الرؤية الثاقبة، والآن تم إنشاء وزارة للثقافة؛ لتستقل الثقافة بمهامها، وترعى المثقفين من موقع المسؤولية التي تُلقى على عاتقها؛ لأن فصل الثقافة عن الإعلام أمر محمود؛ لتبقى لكل من الوزارتين أهدافها ومصالحها التي تختلف عن الأخرى. وهذا قرار انتظرناه طويلاً، وطالبنا به كثيرًا، وها هو تحقق أخيرًا.
ونأمل أن تكون الوزارة الوليدة على مستوى الطموحات، وتتعامل مع المنتج الثقافي في داره الجديدة بما يحقق مصلحة النمط الثقافي، وإبراز الهوية الثقافية السعودية التي تحقق الرؤية الثقافية في (رؤية ٢٠٣0) الطموحة.
نريد للثقافة أن تكون مشروعًا وطنيًّا تنويريًّا، تتضافر فيه الجهود للنهوض بالحراك الثقافي، ورفع المستوى الفكري والوعي الوطني للمواطن السعودي، بما يعلي من شأن هويتنا الثقافية؛ فالمرحلة الجديدة التي تعيشها السعودية من خلال الرؤية (مرحلة التحول الوطني) بدأت ترسم ملامحها بوضوح في جميع المجالات، وبمختلف الاتجاهات.. وجاءت وزارة الثقافة لتحقق طموحات شريحة كبيرة في المجتمع، لهم صوتهم المؤثر.
وطلبات المثقفين كثيرة، وطموحاتهم كبيرة، ولعل الأيام القادمة تسفر عنها بوضوح؛ فالحديث عنها الآن يبدو متعجلاً، لكن لا يمنع أن نعطي بعضًا من تلك الطلبات التي يتمنى المثقف السعودي تحقيقها، كأن تقوم الوزارة بدعم المفكرين والأدباء والفنانين الكبار والناشئين، وأن تسعى إلى تشجيع المواهب الأدبية والفنية بالجوائز، وتشجيع حركة التأليف والنشر والترجمة والانفتاح على الثقافات الأخرى، وإقامة المهرجانات الأدبية والفنية والمسرحية، والاعتناء بالثقافة الشعبية، والمشاركة الفاعلة في المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية، وأن تضع الوزارة نصب عينيها حرية اختيار المنتج الثقافي محليًّا ودوليًّا، ورفع مساحة التنوير بما يخدم المصلحة العامة.. وفي قابل الأيام ستضع الوزارة الخطط الرئيسة في مواجهة المثقف، وستضع الكرة في مرماه؛ ليقوم بما يطلبه من وزارته.
ونحن نبارك للوزير الشاب الأمير تركي بن عبدالله بن فرحان الثقة الملكية لتوليه مهمة حقيبة وزارة الثقافة، بوصفه أول وزير لها، وهي أصعب مهمة إدارية؛ فليس من السهل إدارة العقول، أو إدارة ما يسمى بنخبة المجتمع؛ لذا نتمنى عليه أن يبدأ الخطوة الأولى في مستهل مهام منصبه باجتماعات موسعة مع المثقفين والأدباء؛ ليستمع إلى همومهم وأحلامهم ورهانهم على وزارتهم.. وتتكرر الجلسات كورش عمل، بما يشبه العصف الذهني لطرح كل الأفكار والرؤى التي تفيد في المرحلة المقبلة.