
في واحدة من القصص النادرة في العلاقة الممتدة بين مريضٍ ومنشأة طبية، ظل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض يحتضن مريضة منذ كانت رضيعة تعاني من اضطراب وراثي نادر في تخثر الدم، في رحلة عمرها 22 عامًا من الرعاية المتواصلة، توّجت أخيرًا بزراعة كبد تُعد الأولى من نوعها عالميًا لحالتها.
وحين بدأت ملامح المرض تظهر على الطفلة في شهورها الأولى، كانت فرق التخصصي تُجري سباقًا مع الوقت لضمان استقرار حياتها، فقد كانت تعاني من نقص خلقي في مادة "البلاسمينوجين"، ما يعيق قدرة الجسم على إذابة التجلطات، ويتسبب في ترسبات ليفية تُهدد الأنسجة والأعضاء.
وشكّلت الحالة تحديًا طبيًا ومعيشيًا، احتاج إلى منظومة رعاية متكاملة بدأت بالعلاج، وامتدت إلى كل ما يلزم للحفاظ على حياة الطفلة واستقرار حالتها، فشاركت فرق التمريض، والتموين، والمعلوماتية الصحية في مسيرة العناية، جنبًا إلى جنب مع الأطباء والمتخصصين في أمراض الدم وزراعة الأعضاء.
وفي حديث لوالد المريضة عن البدايات قائلاً: "كانت ابنتي تعاني منذ ولادتها، تبكي بلا توقف، ولم تكن ترضع، وكنّا نعيش في قلق دائم لا نعرف له نهاية، حتى فتح الله لنا باب الأمل، واليوم، بفضل الله أولًا، ثم بفضل ما هيأته حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- من إمكانات صحية عظيمة في هذا الوطن المبارك، نشهد شفاء ابنتي من هذا المرض النادر بعد عقدين من المعاناة".
وخلال سنوات العلاج، اعتمدت المريضة على جرعات منتظمة من البلاسمينوجين الوريدي، إضافة إلى قطرات عينية للحد من تأثير المرض في العين، وتجاوزت كلفة العلاج السنوية حاجز 6 ملايين ريال، تكفلت بها الدولة، في مشهد يُجسد حجم العناية التي توليها المملكة لصحة الإنسان، واستثمارها في جودة الحياة حتى في أعقد الحالات الطبية.
وبيّن رئيس قسم أمراض الدم وزراعة الخلايا الجذعية للبالغين بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، والطبيب المشرف على الحالة الدكتور هزاع الزهراني أن متابعة المريضة لسنوات تطلّب نهجًا دقيقًا ومتابعة طويلة لتفادي المضاعفات وضمان استقرارها، مشيرًا إلى أن قرار زراعة الكبد جاء بعد دراسة متأنية خيارًا علاجيًا استثنائيًا لحالة نادرة، وأن نجاح العلاج مثّل محطة فارقة في تاريخ رعايتها، وتطورًا طبيًا يعيد الأمل للمرضى الذين يشاركونها المعاناة نفسها حول العالم.
ويندرج هذا النهج في صميم رؤية مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، الذي يضع المريض في القلب من كل ممارسة، ويعمل على تقديم رعاية متكاملة تمتزج فيها الخبرة العلمية بالالتزام الإنساني، ضمن رسالته في خدمة المجتمع بأعلى المستويات.