أكّد شخبوط بن نهيان آل نهيان؛ سفير الامارات لدى المملكة العربية السعودية، وتركي بن عبدالله الدخيل؛ سفير المملكة العربية السعودية لدى الإمارات، قوة العلاقات بين الإمارات والسعودية الضاربة بجذورها في التاريخ وهي علاقة صاغتها الجغرافيا الإنسانية أولاً وتوّجتها وحدة الدم ولا شيء يصنع التوأمة مثل الدم المشترك.
ووفق ما نقلته وكالة أنباء الإمارات قالا في مقال رأي لهما -بمناسبة انعقاد مجلس التنسيق السعودي الإماراتي- إن المجلس يهدف إلى تحقيق مصالح البلدين الشقيقين ومواطنيهما ومساندة الأشقاء على تعزيز التنمية في بلدانهم على أسس اقتصادية مستدامة.. وأكّدا حرص القيادتين الرشيدتين على أن تتحول المشاريع المشتركة واللجان الثنائية وورش العمل المتواصلة في مجلس التنسيق وما ينبثق عنه من لجان إلى نِتاج عملي يلمسه المواطن في البلدين.
وفيما يلي نص المقال: "ربما هي المرة الأولى التي يكتب فيها سفيران، يمثلان دولتين، مقالاً واحداً، والمفارقة أننا قبل أن ننخرط في السلك الدبلوماسي، فنحن صديقان منذ أكثر من عشر سنوات، وخلال لقاءاتنا القديمة، لم يخطر في بال أحدنا، أن يكون دبلوماسياً، فكيف أن يتشرّف كل واحد منا بأن يكون سفيراً لدولته، في دولة الآخر، وهي مصادفة نادرة، ولطيفة.
أردنا أن نقدم بهذه المقدمة، للقارئ الكريم، قبل أن نبدأ مقالنا الذي نكتبه، بمناسبة انعقاد مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي.
إن مجلس التنسيق، ليس تعبيراً عن حالة طارئة، وإذا أردنا أن نفهم الحاضر والمستقبل، فعلينا أن نعود إلى التاريخ، فالعلاقة بين السعودية والإمارات، ضاربة جذورها تاريخياً، بأصالتها، وطبيعتها، وتجانس مكوناتها.
علاقة صاغتها الجغرافيا الإنسانية أولاً، وتوّجتها وحدة الدم، ولا شيء يصنع التوأمة مثل الدم المشترك.
إن العلاقات بين الرياض وأبو ظبي، على الصُعد والمستويات كافة، إذ تُظهر صلابتها وقوتها، فإنها تؤكّد قدرة هذه المنظومة على صياغة مستقبل زاهر، مدرك أهمية الرؤية للأمام، والتفكير في المستقبل، وبخاصة ونحو 70 % من شعبينا، يعيشون زهرة الشباب، إذ لا تتجاوز أعمارهم 35 عاماً.
عندما تقود شعباً، نحو ثلثيه من جيل الألفية، فلا بدّ، أن تكون مدركاً، أن هذا الجيل، المتصل مع العالم، المنفتح على الآخر، الذي تُشكِّل التقنية، جزءاً من صناعة عقله، وتكوين فكره، ذو ميزاتٍ لا تتوافر في الأجيال السابقة، وهو ما جعل السعودية والإمارات، يتسنمان زمام الريادة في المشاريع التي تفكر في شكل الحياة، بعد عقود من الآن، وتحاول أن تسهم في صناعة ذاك العالم المقبل، وتشكيله ضمن المنظومة الإنسانية.
امتازت العلاقات بين البلدين، بسلاسة التعاطي مع الملفات الشائكة، خلال الأعوام الماضية، وبخاصة ونحن نعيش في منطقة مضطربة، سياسياً وأيديولوجياً، تتجاذبها أجندات الشر، والعداء لمفهوم الدولة، والترويج للولاء العابر للحدود، واستغلال الإسلام وتشويهه.
المستقبل اليوم، لنوعين من الدول فقط؛ الدول التي تستشرف المستقبل، على صعيد بنيتها الإنسانية والاقتصادية، وهو ما تمثله المملكة والإمارات، عبر الخطط الخاصة بكل دولة، أو المشتركة بين البلدين، بما يوفر لها الحماية والبقاء بقوة على خريطة العالم، ثم الدول التي تعزز قوتها بالتوحد في مشاريعها مع غيرها، وتبحث عن شراكات حيوية منتجة، في ظل عالم تتغير فيه المعادلات، ويخضع لظروف متقلبة.
وعليه فالعلاقة السعودية - الإماراتية، تنطبق عليها شروط الدول الحية، القابلة للبقاء، ونحمد الله أن رؤية قيادتي البلدين، متوازنة، ذكية، تقرأ الواقع جيداً، وتخطط للمستقبل بدقة، إضافة إلى إدراكها أهمية العلاقات بين البلدين، لدرجة تتجاوز العلاقة فيها العلاقة الإستراتيجية، إلى أن كل دولة تشكل امتداداً لشقيقتها، في كل المجالات.
لقد كان للأساسات التي وضعها الآباء المؤسسون للبلدين، أكبر الأثر في تشكيل المنهج السياسي السعودي والإماراتي.
فقد وحّد الملك المؤسِّس، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، غفر الله له، مساحات شاسعة، مترامية الأطراف، متنوعة الثقافات والعادات، لتشكل وطناً واحداً ونسيجاً متجانساً، هو المملكة العربية السعودية، التي انتهجت أسساً لسياسة معتدلة، حريصة على أشقائها، تسعى لما يقربهم، ويرأب الصدع بينهم، وسار أبناؤه الملوك من بعده، رحمهم الله، على النهج ذاته، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله.
والحال نفسه، في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قام اتحادها، ليخلق نواة لدولة، شكلت مكانة عالية، بين الدول، بفضل الأسس التي وضعها الأب المؤسِّس، صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه الحكام، وسار عليها بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"؛ ما جعل همة المواطن الإماراتي، كما المسؤول الإماراتي، لا تقبل بغير المركز الأول، كما يعبر عن ذلك، صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله".
أما التفكير في المستقبل، فيمكن قراءته بوضوح، من تصريحات رئيسَي مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي؛ الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وصاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهما يفكران بجدية، بل تجاوزا التفكير للتخطيط، ثم التنفيذ لمشاريع الاستثمار، التي تملأ فراغ فترة إنتاج آخر برميل نفط في البلدين، أياً كان تاريخ ذلك اليوم.
هذا التناغم في التفكير، والعقل المستشرف للمستقبل، والرؤية الواضحة المعالم للمنهج السياسي، والاقتصادي، والتنموي، التي تعتبر رفاهية المواطن، هدفاً أسمى، وتضمن للاقتصاد استقراراً وللتنمية استدامةً، هي ما يجعل البلدين، يتصدران مؤشرات الفعالية والإنجاز، على مستويات إقليمية ودولية.
سقف العلاقات الثنائية، حدوده السماء، والتنسيق قائم في الملفات كافة، والعمل المشترك، يمضي بسرعة وإتقان ومتابعة، بما يمثل حلقة من حلقات أوسع، تتناغم فيها المواقف والقرارات، في المحافل الإقليمية والمنظمات الدولية.
إن ما سبق من تنسيق وانسجام في المواقف، يمثل حالة لافتة، تستحق التحليل والدراسة، على مستوى المؤسسات والمعاهد السياسية والدبلوماسية.
ثمة مفارقة مهمة، وهي أن كل الرهانات البائسة على خلق الثغرات، وصناعة المؤامرات، لتعكير صفو العلاقات، بين الرياض وأبوظبي، ارتدت على أعقابها، مذيلة بفشل ذريع، بفعل وعي القيادتين، وفطنة الشعبين.
ختاماً، هذا المجلس المبارك، إذ يهدف لتحقيق مصالح الوطنين ومواطنيهما، ومساندة الأشقاء، على تعزيز التنمية في بلدانهم، على أسس اقتصادية مستدامة، فإنه دون شك، ليس موجهاً ضد أحد، لكنه في الوقت ذاته، لن يقف مكتوف الأيدي، أمام مشاريع الفوضى، وأجندات التطرف، ودعاة تشويه صورة ديننا الإسلامي الحنيف، فهذه مسؤولية في أولويات اهتمامات البلدين.
الأكيد أن القيادتين الرشيدتين، حريصتان كل الحرص، على أن تتحول المشاريع المشتركة، واللجان الثنائية، وورش العمل المتواصلة، في مجلس التنسيق، وما ينبثق عنه من لجان، إلى نِتاج عملي، يلمسه المواطن في البلدين، في أسرع وقت، وسينتج عن الاجتماع الثاني للمجلس، الذي ينعقد خلال الساعات المقبلة، في أبو ظبي، ما يَسُرُ فؤاد المُحِب، ويُكَدِّرُ خاطر المُبغض.