"مشروع نظام الإعلام" في منصة "استطلاع".. تفاؤل كبير بتطوير "فاعل ومؤثر" للإعلام السعودي

إصلاح شامل.. هل ستكفي التشريعات وجداول المخالفات وحزم العقوبات لضبط الانفلات ومواجهة مشاكل تدنّي "دخل" المؤسسات الإعلامية؟
"مشروع نظام الإعلام" في منصة "استطلاع".. تفاؤل كبير بتطوير "فاعل ومؤثر" للإعلام السعودي
تم النشر في

تقول الكاتبة "بينة الملحم" في مقال لها نُشر في 07 يونيو 2023م: "صناعة النجوم وتأهيل الكوادر الإعلامية بمختلف الوسائل في الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد؛ هي مهمة وطنية.. فضلًا عن دور ذلك في الانعكاس على الصورة الذهنية للمملكة ودعمها لرسائلها الثقافية العالمية.. الإعلام كالتاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء؛ رؤيتك ورأيك العام ورسالتك وقصتك الإعلامية لا يكتبها إلا الأقوى، وإنْ لم يكتبها إعلامك كتبها نيابة عنك وسوّقها الأقوى إعلاميًّا!".

مشروع برؤية عميقة

في مطلع الشهر الحالي "نوفمبر 2023م" طرحت "الهيئة العامة لتنظيم الإعلام"، "مشروع نظام الإعلام" على منصة "استطلاع" ليكون متاحًا للعموم لإبداء الرأي بداية من 05/ 11/ 2023م إلى نهاية 05/ 12/ 2023م.

هذا المشروع يحمل الكثير من التطلعات للمؤسسات الإعلامية والمهتمين والممارسين، وغيرهم، في طموح لمعالجة وردم كل الفجوات أو المسببات التي ستثمر معالجتها عن تطوير حقيقي ومؤثر للإعلام السعودي ليحضر وفق تطلعات تتواكب والمرحلة الرائعة التي تعيشها المملكة.

المشروع على منصة "استطلاع" يهدف للوصول إلى التكامل في الأنظمة الإعلامية بوسائطها المتعدّدة التقليدية والحديثة، بما يضمن رفع مستوى البيئة الإعلامية، ودفعها لتكون بيئة جاذبة للمستثمر وداعمة للمواهب وللاقتصاد الوطني.

تعزيز الثقة والاستفادة من القوة الناعمة

وبكل تأكيد، فطرح المشروع للعموم على منصة استطلاع هو من حرص الهيئة على مشاركة المختصين والمهتمين والمستفيدين أيّ ملاحظات أو مرئيات. قبل فترة كنتُ محظوظًا بحديث ودي مع الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لتنظيم الإعلام بالإنابة الدكتور عبد اللطيف العبد اللطيف، وهو بالمناسبة رجل أنيق جدًّا، ومرتب أكثر، وشغوف جدًّا بعمله، ولديه رؤى عظيمة فيما يخصّ مستقبل الإعلام السعودي. كان يصف عمق طموح وزير الإعلام المبني على رؤية 2030م. بعض ذلك وفيما يخص المشروع نقل عنه إعلاميًّا أن مشروع النظام للاستطلاع يأتي انطلاقًا من دور الهيئة في تنظيم وتمكين قطاع الإعلام، وبهدف استثمار آراء الإعلاميين والجمهور فيما يتعلق بالمشروع، الذي يأتي ضمن حزمة مشاريع تطوير البيئة التنظيمية، والتي من المؤمل أن تعزز تنافسية قطاع الإعلام لصالح جودة المحتوى الإعلامي، وخلق بيئة محفزة وداعمة للمواهب وجذابة للمستثمرين.

هذا ليس كل شيء؛ هناك الكثير قادم وهو أجمل ومستوعب لكل الطموحات، حتى تلك التي قد توصف بـ"الترف" من أجل مستقبل الإعلام السعودي.

النظام يعد بالكثير من الطموحات، لكن تبقى دائمًا قدرة النظام على التطبيق هي المحكّ في ظل الكثير من الجوانب التي يجب أن تكون مواكبة، وتتعلّق بقدرة المؤسسات الإعلامية، وحتى الأفراد في المواكبة ودعم النظام، خصوصًا إذا كان الأخير سيحتاج لوقت أطول لدعم وسائل الإعلام في القطاعين العام والخاص لتكون مؤهّلة على التفاعل المثمر مع النظام. هذا الدعم ليس ماديًّا بالضرورة.

إصلاح شامل ودور رقابي

سيواجه النظام تحديات كبيرة حتى لو كان يعمل على خلق ودعم وإصلاح البنى التحتية التي ستمكّنه من العمل على تمكين أدواته لتحقيق المستهدفات؛ فالكثير من المؤسسات الإعلامية تواجه تحديات صعبة، وبعضها ينتظر دعمًا ماديًّا وحقيقيًّا من النظام لتمكينه من العمل في المنظومة. وهنا ربما يمكن القول: إن المشروع سيكون أقرب إلى إعادة بناء جديدة وسنّ أنظمة وحزم في مواجهة انفلات متنامٍ في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقاسم الإعلام توجه الجمهور لتلقّي الأخبار منها، أو من أفراد قد يفتقدون المسؤولية في ممارسة رسالة الإعلام.

ومع التفاؤل بطموح النظام في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لقطاع الإعلام، بالتنسيق مع وزارة الاستثمار والجهات ذات العلاقة، وتحفيز المشروعات المتصلة بالأنشطة الإعلامية في المملكة، إلا أنه في صورته الحالية -وهو مبرر- قد يبدو رقابيًّا إلى حدّ كبير أكثر من كونه داعمًا، لم يتضمن تفاصيل أو إشارات واضحة هنا، فالمواصفات حول خصائص أجهزة بثّ مثلًا أو غيرها التي قد يضعها النظام، قد تفوق إمكانيات المؤسسات الإعلامية، وخصوصًا تلك التي يملكها الأفراد أو جهات ذات قدرات محدودة، والمثال لتقريب الصورة فقط.

أولوية للإعلام السعودي.. هل نرى ذلك؟

مرحلة أكثر عمقًا ونضجًا سيؤسس لها النظام من خلال منظومة أحكام جديدة سيطلقها تتعلق بالتسجيل المهني للعاملين في مجال الإعلام ومن في حكمهم، وهو أمر كان محلّ خوض نقاشات ومساجلات بين المطالبين بالمؤهل المتخصص، وبين من يرى أن الأفضل هو الخبرات والمهارات والموهبة.

وفيما سينظم المشروع عمل مكاتب وسائل الإعلام الأجنبية ومراسليها داخل المملكة، فإن المأمول هنا أن ينظر النظام بانحياز مهني في سياق وطني، إن صحّ التعبير المجازي، لمنح وسائل الإعلام السعودي أولوية بطريقة ما ليكون حاضرًا وفق المأمول؛ فليس من المقبول أن يحظى مكتب وسيلة أجنبية بميزات تفتقدها المؤسسات الإعلامية الوطنية، ويدفع الأخيرة للنقل عنه فيما يخصّ الحدث الوطني.

خطوط حمراء لا تساهل فيها

ولعلّه ممّا يحسب للنظام تشديده في المادة الثالثة عشرة على خطوط حمراء؛ أبرزها: عدم التعرض لما من شأنه المساس بثوابت الشريعة الإسلامية، وعدم المساس بالملك أو ولي العهد، وعدم بث أو نشر ما من شأنه الإخلال بالنظام العام، أو الآداب العامة. كما شدد على جوانب تتعلق بالأمن الوطني مثل ما يتعلق بالبث أو النشر لما يشجع الإجرام أو يحرض على العنف والإرهاب، وكل ما من شأنه تهديد السلم المجتمعي والأمن الوطني، أو الدولي، وصولًا لعدم التعدّي على حرمة الحياة الخاصة للأفراد أو كرامتهم وما يثير النعرات.. إلخ.

كذلك يحسب للنظام تأكيده في المادة الثامنة عشرة على أنه يجب على المرخص أو المصرح له "إعطاء الأولوية للمحتوى المحلي، وحظره تقييد بث أو عرض المحتوى الإعلامي المتعلق بالمناسبات ذات الطابع الوطني، وذلك وفقًا للقواعد والإجراءات المنظمة في اللائحة. كما أبرز النظام بوضوح في الفصل الخامس حقوق ومصالح المستفيد والمرخص والمصرح له.

مخالفات وعقوبات متدرجة

النظام يعرض بشكل موسع في الفصل السابع لـ"المخالفات والعقوبات" التي تميزت بتشكيل لجان ابتدائية، واستئنافية. وفي حال كانت المخالفة تمثل إساءة إلى الدين الإسلامي، أو المساس بمصالح الدولة العليا، أو بعقوبات يختصّ بنظرها القضاء؛ فعلى اللجنة إحالتها -بقرار مسبب- إلى الوزير لرفعها إلى رئيس مجلس الوزراء للنظر في اتخاذ الإجراءات النظامية لإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة، أو اتخاذ ما يراه محققًا للمصلحة العامة.

وفي المادة السابعة والعشرين تنوّعت العقوبات لتتدرج بين "الإنذار، والمنع من الظهور في وسائل الإعلام، وتعليق الترخيص أو إلغائه، وصولًا لإغلاق أو حجب الوسيلة، وكذلك إلزام المخالف بحضور برامج تأهيلية معيّنة على نفقته، كما يكون تحصيل الغرامة ومضاعفتها في حالات مشمولًا بالنفاذ المعجل. كما كفل النظام حقّ الاستئناف للمتضرر أو المخالف خلال "خمسة عشر" يومًا من تاريخ إبلاغه، وله حق المطالبة بالتعويض أمام اللجنة الابتدائية.

ثورة التقنية تستدعي مواكبة سريعة

في ظلّ تحديات متسارعة يمكن الاستشهاد على سبيل المثال بتقرير "رويترز" السنوي "RISJ" الذي كشف اتجاهات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا في 2023م، وبعد استطلاع آراء "303" من قادة الأخبار من "53" دولة أو إقليمًا، للوصول إلى الاتجاهات التي يجب أن ينتبه إليها الناشرون والعاملون بالصناعة في 2023. وقام المشاركون بملء استبيان عبر الإنترنت بأسئلة محددة حول الهدف الاستراتيجي والرقمي في عام 2023م؛ حيث خلصوا إلى عدد من الأسباب والتحديات والمهددات، وفي مقدمتها: تأثيرات التضخم العالمي مما يضعف حجم التمويل، وارتفاع التكاليف، وكذلك ضعف الاشتراكات، وتباطؤ الإعلانات حتى الرقمية، مع تنامي منافسة منصات مثل "X" و"تيك توك" ستؤثر على توجه الجمهور لأخذ المحتوى الإعلامي من الصحافة بوضعها الحالي.

اختراق "الذكاء الاصطناعي للصحافة"

كما يشير التقرير إلى "الابتكار في التنسيق" من خلال ضرورة التحول إلى الصوت والفيديو؛ مما سيفرض على المؤسسات الإعلامية والصحفية أن تمتلك القدرات على الابتكار في التنسيق والتوجه لصحافة الفيديو تحديدًا، وهي جوانب تستدعي قدرات مالية وتدريبًا عالي المستوى؛ وذلك لكي تحضر بشكل منافس من خلال رواية القصص بالفيديو القصير.

وتبرز الآراء أيضًا أن "اختراقًا للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال الصحافة" كواحد من أهم ما يجب التنبه له سواء من منطلق شر لا بد منه أو خير مفروض. يهدد الذكاء الاصطناعي فرص التوظيف، ويتطلّب مقدرات للاستثمار فيه. لكن هذه التقنيات الجديدة ستجلب أيضًا أسئلة أخلاقية، كما أن هناك اتجاهًا أوسعَ نحو ما يسمى بـ"الذكاء الاصطناعي التوليدي" الذي يتيح لأجهزة الكمبيوتر إنشاء، ليس فقط الكلمات، ولكن أيضًا، الصور ومقاطع الفيديو، وحتى العوالم الافتراضية. سيكون من الصعب، أكثر من أي وقت مضى، فصل ما هو حقيقي عما هو مزيف أو مضلل.

مواثيق أخلاقية للذكاء الاصطناعي

وهذا جانب يجب على الهيئة أن تهيّئ أنظمتها للتعامل معه. الآثار المترتبة للذكاء الاصطناعي على الصحافة ليست واضحة تمامًا، لكن من المرجح أن يؤدي هذا التطور اللافت إلى طفرة في انتشار الوسائط الآلية أو شبه الآلية في السنوات القليلة المقبلة. سيكون إنشاء محتوى آلي له جودة عالية أسهل من أي وقت مضى، إضافة إلى ذلك تتوقّع نسبة لا بأس بها أن تتزايد عمليات تسريح الصحفيين والإعلاميين بسبب تلك العوامل والمنافسة الشديدة من مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتجه بعضها ليكون "مكانًا لكل شيء"، إضافة إلى الحاجة هنا ربما لمواثيق أخلاقية للإعلام في استخدامه لأدوات الذكاء الاصطناعي.

الإعلام الوطني

هذه تقريبًا أهم التحديات التي يجب على الجهات المعنية بتطوير الإعلام وتنظيمه وتأهيله، ومع بعض التفاؤل دعمه؛ أن تهتم بذلك، إنها تحديات متنامية لا يمكن تأجيل بعضها "الحتمي"؛ مثل دخول أدوات الذكاء الاصطناعي، ولا يقلّ عن ذلك أهميةً ما سينعكس على صورة الإعلام الوطني، ولنقل أيضًا "صناعة الإعلام الوطني" الذي يعتبر مسؤولية أساسية لوزارة مثل وزارة الإعلام. وفي كل الأحوال لا يمكن للقطاع النهوض وحده في ظلّ العديد من التحديات؛ مما يعني أن أي نظام قادم لا يضع ذلك في الاعتبار قد يواجه بدوره تحديات لا تقل صعوبة، وهو معرض للتعثر؛ إذ لا يكفي وضع التشريعات وجداول المخالفات بدون دعم حقيقي لمقدرات وإمكانيات القطاع، ووضع تجسير وخطط مستدامة تجعله قابلًا للتطبيق، ويجعل التفاعل معه ممكنًا.

غير أنه في ذات الوقت من الإنصاف القول: إن هذا النظام هو خطوة من ضمن خطوات رائعة منتظرة من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، ومن يقوم عليها من كفاءات مميزة؛ حيث ينتظر أن تكون هناك أولوية ودعم أكبر للإعلام السعودي بخط موازٍ وبنفس قوة الاهتمام بسن القوانين التنظيمية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org