حبا الله منطقة العلا، مواقع أثرية وتاريخية بالغة الأهمية، وضعت المحافظة التي تقع ضمن نطاق منطقة المدينة المنورة على خارطة السياحة التراثية، وجعلتها محطّ أنظار المهتمين بحفظ التراث والآثار؛ خاصة بوجود "مدائن صالح" التي تُعَد من أهم آثار العالم القديم.
وعندما تزور هذه المحافظة، التي تقع بين مرتفعات جبلية تحدها من الشرق والغرب، ستحكي لك مواقعها وواجهاتها الصخرية العملاقة المنحوتة بدقة، تاريخَها العريق، وثقافتها الغنية، وإرثها القديم؛ فالتاريخ يمثل في منحوتاتها، وصحراؤها شاهدةٌ على الأجيال والحضارات التي تعاقبت عليها.
مناظر خلابة وتاريخ عريق
وتحتضن محافظة العلا مناظر خلابة للصحراء، وتشكيلات صخرية متميزة، ومجموعة من المواقع الأثرية البارزة في منطقة الشرق الأوسط؛ مثل المواقع الخاصة بالحضارتين اللحيانية والنبطية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد. وتُعَد "العلا" من عجائب العالم العربي القديم، وسُمّيت قديماً بـ"الحجرة"؛ حيث كانت تمثل العاصمة الجنوبية لمملكة الأنباط؛ بينما تمثل "بترا" العاصمة الشمالية.
وتبلغ مساحتها 22.561 كيلومتراً مربع، وتبعد 300 كيلومتر عن المدينة المنورة، وتقع على مفترق طرق تاريخي؛ حيث شهدت تواجد عدد من الحضارات، وتمازجاً وتبادلاً ثقافياً فيما بينها، كما كانت ممراً تجارياً لتجارة البخور ونبات المرة منذ الألفية الأولى قبل الميلاد.
وتوجد في هذه المنطقة أيضاً معسكرات رومانية ونقوش صخرية ومواقع تراث إسلامي، وبقايا خط الحجاز للسكك الحديدية الذي يعود للعهد العثماني، وكان ممتداً من دمشق إلى المدينة في أوائل القرن العشرين.
حرص القيادة
وكانت القيادة السعودية حريصةً بشدة من خلال إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على الاستفادة القصوى من هذه المواقع التراثية، وتماشياً مع رؤية 2030؛ لتطوير المحافظة على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية، ومقوماتها الطبيعية.
واستقطبت المنطقة -خلال عام 2016م- أكثر من 160 ألف سائح، بزيادة 10 آلاف سائح عن عام 2015م، ومن المتوقع تنامي هذه الأرقام في الأعوام القليلة المقبلة مع البدء في إنشاء مشاريع تراثية وسياحية في العلا باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار ريال، وزيادة القدرة الاستيعابية للمواقع الأثرية.
خطط الهيئة
وعَمِلت الهيئة السابق ذكرها منذ الوهلة الأولى على وضع الخطط المستقبلية والاستراتيجية لتطوير وتنمية المحافظة، وتوظيف إمكانتها الطبيعية والتراثية سياحياً؛ إذ تعمل الهيئة مع العديد من الشركاء والمؤسسات والجامعات من مختلف أنحاء العالم.
ولهذا الغرض، تنفذ الهيئة الملكية لمحافظة العلا حالياً، برنامج المسح الأثري والتراثي بالشراكة مع جامعات متميزة من المملكة المتحدة وأستراليا، بالإضافة للعمل مع فريق من المستشارين المتخصصين من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والعديد من بيوت الخبرة المتميزة.
شراكة سعودية فرنسية
وتأتي اتفاقية التعاون التي وُقّعت أمس بين حكومتيْ المملكة وفرنسا؛ في إطار إحداث التطوير والتنمية المستدامة لمحافظة العلا، وبناءً على التزام الدولتين الراسخ بحماية الإرث العالمي والنهوض به؛ حيث يدرك البلَدان أهمية الثقافة والتراث، ودورهما في تطوير السياحة الدولية وتعزيزها، ويملكان طموحاً متبادلاً لدعم جهود تحقيق السياحة المستدامة؛ وهو ما يتفق مع جهود الهيئة الملكية للعمل دائماً بشراكة مع كافة بيوت الخبرة حول العالم؛ خاصة الجانب الفرنسي، والذي عَمِل علماؤه على التنقيب عن "مدائن صالح" أكثر من 15 عاماً.
وتشمل الشراكة السعودية الفرنسية، توقيع مذكرة تفاهم مع برنامج كامبوس فرانس، الرائد عالمياً لدعم برامج الابتعاث في محافظة العلا لفرنسا، ومذكرة تفاهم أخرى لتطوير معرض متنقل ينطلق في ربيع 2019 من باريس مع المعهد العربي بفرنسا.
وتعتبر فرنسا شريكاً مميزاً؛ وذلك لنجاحاتها الكبيرة في مجالات السياحة والضيافة وحفظ التراث والآثار وفي مجالات الفنون؛ حيث تشتهر فرنسا بعملها الدؤوب على حفظ التراث، والاهتمام بالثقافة والآثار، وهناك العديد من الخبرات الفرنسية التي يمكن نقلها وتبادلها مع المجتمع في محافظة العلا.
وإيماناً بأهمية الشراكات الناجحة المبنية على التبادل والابتكار؛ ستعمل الهيئة الملكية مع الفرنسيين على تطوير مفاهيم جديدة تضيف للتجارب الرائعة التي اكتسبتها الهيئة في رحلتها مع شركائها من كافة أنحاء العالم، وبالإشارة إلى أن الشراكة لا تقتضي أي حصرية على تنفيذ الأعمال والمشاريع مع الشركات الفرنسية فقط؛ حيث ستعمل الهيئة على طرح أعمال التطوير في المحافظة بشكل شفاف، وبمواصفات عالمية تضمن تعيين الجهات الأفضل لإنجاز ما تتطلع إليه الهيئة.