عندما تذهب إلى أي من المجمعات التجارية وتنظر يمينًا ويسارًا، سرعان ما يلفت انتباهك وجود المرأة السعودية في كل مكان، وقدرتها على القيام بالأعمال كافة. هناك "الكاشيرة" وهناك من تعمل داخل "الأكشاك"، ومن تعمل في تقديم المشروبات والأطعمة في "الكافيهات"، وفي محال الملابس ومستلزمات المرأة، وغيرها.
واللافت للنظر أنه لم يبق أي عمل داخل "المولات" إلا وتجد امرأة أو فتاة سعودية تعمل بداخله.
وتجولت "سبق" داخل أحد المجمعات التجارية للتعرف على أبعاد الظاهرة ورصد إيجابياتها وسلبياتها.
الجوهرة عبدالله تعمل في "كافيه" داخل أحد المولات التجارية، قالت: أعمل منذ شهرين وأتعامل مع العائلات التي لا تفضل التعامل مع الرجال، مشيرة إلى أنها لاقت دعمًا وتشجيعًا من أسرتها، ما جعلها تخوض تجربة العمل داخل الكافيه.
وأكدت أن هناك تنظيمًا جيدًا للعمل ولا يوجد أي مضايقات فهناك قسم خاص للشباب في الخارج، ولا يدخل هنا سوى العائلات، وبسؤالها عن المشكلات التي تواجهها خلال عملها، أجابت: ليس هناك أي عوائق كل يعرف عمله داخل المكان، بل انعكس عمل المرأة في المطاعم والكافيهات إيجابيًا على الأسرة، وبات هناك أريحية أكثر في التعامل، وشعرت عديد الأسر بالراحة في التعامل مع الفتاة، وتجد أن نسب إقبال الفتيات والأسرة بوجه عام، زادت عما قبل.
وحول ساعات الدوام والراتب، قالت: أعمل ٨ ساعات براتب ٤٠٠٠ واعتبرته بداية جيدة، معربة عن طموحها في أن تصبح سيدة أعمال.
صفية الشريف جامعية خريجة قسم تاريخ، وتعمل بائعة عطور، قالت: لم أستطع انتظار الوظيفة الحكومية، حيث حاولت كثيرًا ولكن بات أمرًا مستحيلاً، ما جعلني ألجأ للعمل في كشك لبيع العطور، مشيرة إلى أنه على الرغم من بعض المضايقات التي تجدها والانتقادات حول عملها في كشك مفتوح في منتصف المجمع التجاري ونظرة بعضهم لها، بيد أنها أصرت على العمل بدلاً من الجلوس وانتظار الوظيفة.
فيما قالت مودة السنمي خريجة سياحة: لا يوجد ما يعيب في عملي كبائعة، وعلى الرغم من ذلك رفضت أسرتي السماح لي بالعمل لفترة طويلة، وبعد أن رأوا وجود المرأة بكثافة في المجمعات التجارية، وافقوا.
ورأت أن ثلاثة آلاف و700، غير كافٍ بالنسبة لدوام ٨ ساعات، وتطمح في أن يزيد الراتب حيث يضيع ١٠٠٠ ريال أو أكثر مواصلات.
وحول عدم عملها في قطاع السياحة، أجابت: لم تُتح لي الفرصة إلى الآن بيد أنه قطاع حيوي وأعتقد أن الفتاة السعودية سوف تقتحمه قريبًا.
أم أنس أم لثلاث فتيات، قالت لـ"سبق": عمل المرأة داخل المجمعات التجارية سهّل الكثير لنا، فمن قبل كانت تخجل الفتاة في الجلوس داخل الكافيه لغياب العنصر النسائي في الخدمة، أما الآن امتلأت " الكافيهات" بالفتيات والعوائل، كما أن وجود الفتاة داخل الأكشاك زاد من إقبال الفتيات على الشراء، وإتاحة الفرصة للأسرة للخروج داخل المجمعات التجارية دون قلق من العمالة الوافدة التي كانت تسيطر على كل الأعمال داخل المولات.
ومن داخل "كشك" لبيع إكسسوار الجوالات، قالت رفيدة حاصلة على ثانوية: التعامل مع الأفراد خلال البيع والشراء أفادني كثيرًا، وسرت أكثر وعيًا وأستطيع التمييز بين من يريد أن يشتري ومن يأتي للتحدث وتضييع الوقت.
وأكدت لـ"سبق" أن الفتاة السعودية تستطيع أن تقوم بالعمل وتجبر الجميع على احترامها، فمن قبل كان هناك من يقول إذا خرجت المرأة سوف تزداد الفتن وغيرها من العبارات.
وتابعت: لم يحدث شيء المرأة تقف وتبيع لرجال ونساء بكل احترام، وعملها لا يقلل شيئًا من قيمتها ولا من أخلاقها.
من جانب آخر، أشاد عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبد الله المغلوث، بقرار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية حول تأنيث المحال النسائية، مبينًا أن هناك فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة من توسيع دائرة تأنيث المحال، حيث مهدت هذه المرحلة لدخول المرأة في قطاعات عمل جديدة كصاحبة أعمال أو موظفة وعاملة.
وقال: الفائدة الأكبر تتمثل في تدوير أكبر للسيولة بالداخل بدل أن تحول إلى الخارج عن طريق العمالة الوافدة التي اعتادت تحويل معظم المبالغ التي تحصل عليها إلى بلدانها مما يعد استنزافًا كبيرًا لاقتصادنا الذي تسعى الدولة من خلال برنامج التحول إلى تحريره من الأعباء تمهيدًا للانتقالات الجديدة لمرحلة الإجراءات التنفيذية للرؤية الوطنية.
ورأى أن قرارات التأنيث المتعاقبة هدمت الحواجز التي أعاقت عمل المواطنين عمومًا والمرأة على وجه الخصوص في بعض القطاعات، إلا أن إصرار الوزارة ووجود آليات مناسبة لكل مرحلة حقق الهدف المنشود في توفير المزيد من الفرص والخيارات الوظيفية أمام المرأة، وسوف تشهد المرحلة المقبلة نشاطًا ملحوظًا لقطاعات التدريب المخصص للسيدات والمتناسب مع الفرص الوظيفية المستجدة.
ولاشك أن إحدى الأدوات التي استخدمتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في فتح فرص وظيفية للمرأة هو تأنيث المولات والمجمعات والمحال؛ ما أسهم في تحسين المعيشة لدى المرأة وانعكس ذلك على تحسين ظروفها الاقتصادية وإيراداتها التي لم يكن يوجد في السابق مدخول لهن، حيث يتخرجن من المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ولا يجدن وظيفة بل وزادت نسبة البطالة التي بلغت 12،8 حسب إحصائية الهيئة العامة للإحصاء، والنسبة الكبيرة من هذا الرقم عند النساء.
وتابع: بعد أن سمحت وزارة العمل والجهات الرسمية الأخرى بمعمل المرأة في المولات والمراكز التجارية والمؤسسات انخفضت نسبة البطالة ناهيك بالفرص القادمة من الوظائف بأكثر من ذلك، خصوصًا بعد أن سمح لهن النظام بقيادة السيارات وتعزيز ذلك العمل بحماية المرأة من التحرش الذي صدر نظام مكافحة التحرش وسوف يزيد نسبة العمل للنساء في تلك المواقع، وهذه الوظائف حسنت نمط الحياة والمعيشة لدى الموظفات من النساء.
وختم المغلوث حديثه لـ"سبق"، مؤكدًا أن أهم محاور التحول الوطني هو رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 % إلى 30 % ما يعني إيجاد مليون وظيفة جديدة للمرأة، وتمكين المرأة في جميع المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.