أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر الدوسري المسلمين بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، فمن أخذ بالتقوى وخالف النفس والهوى، فقد استمسك بالعروة الوثقى، وإلى مراتب الإحسان ارتقى، وسعد في الدارين ونجا.
وقال في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام: مقام العبودية لله تعالى ومتابعة رسوله ﷺ؛ هو أجل المقامات وأعلاها، وأشرف المنازل وأولاها، وأعز المراتب وأسناها، قال الله تعالى: ومن يطع ٱلله ورسولهۥ فقدۡ فاز فوۡزا عظيما (سورة الأحزاب).
وأضاف "الدوسري": من أسبغ النعم وأعلاها قدرًا، وأعظمها شأنًا: نعمة إرسال الرسل، فبالإيمان بهم واتباعهم، تتحقق السعادة والفلاح في معاش العباد ومعادهم، ويظفروا في الآخرة والأولى برضى ربهم، وهذه أعظم المطالب، وأسمى الرغائب، قال عز من قائل: ومن يطع ٱلله ورسولهۥ ويخۡش ٱلله ويتقۡه فأولئك هم ٱلۡفائزون (سورة النور).
وذكر أن في هذه البقعة المقدسة المباركة، وبين رباها وشعابها التالدة، سطرت من نور أعظم قصة عرفتها البشرية، فتغيرت لها الموازين التاريخية، إنها قصة وصلت الأرض بالسماوات، وعلقت القلوب برب البريات، وتابعت مسيرة الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل التسليم والصلوات، وأضاءت العالمين بنور الحق ليخرج الناس من الظلمات، إنها قصة خاتمة الرسالات، وبعثة رسول الله محمد، عليه أزكى الصلوات، وأتم التسليمات.
وأردف: محمد رسول الله ﷺ الذي رفع الله قدره، وشرف أمره، وخلد ذكره؛ فلا تصح الشهادة إلا بالإقرار بنبوته، والإذعان لشرعته، قال جل في قدرته: ٱلذين يتبعون ٱلرسول ٱلنبي ٱلۡأمي ٱلذي يجدونهۥ مكۡتوبا عندهمۡ في ٱلتوۡرىة وٱلۡإنجيل (سورة الأعراف، من الآية: 157) محمد رسول الله: قامت دلائل العقول على صدق رسالته، وقادت بواعث الفطرة للتسليم بشرعته، وقررت شواهد الواقع صحة نبوته.
وأضاف : إن الله أرسل رسوله بالتشريعات الحكيمة في مقاصدها، والأحكام الدقيقة في تفريعاتها، والأخبار الصادقة في مضامينها، والصالحة لكل زمان ومكان في تفصيلاتها وتطبيقاتها، قال تعالى: كتب أحۡكمتۡ ءايتهۥ ثم فصلتۡ من لدنۡ حكيم خبير (سورة هود)، وقال عز وجل: وكذلك أوۡحيۡنا إليۡك روحٗا منۡ أمۡرناۚ ما كنت تدۡري ما ٱلۡكتب ولا ٱلۡإيمن ولكن جعلۡنه نورٗا نهۡدي بهۦ من نشاء منۡ عبادناۚ وإنك لتهۡدي إلى صرطٖ مسۡتقيمٖ (سورة الشورى).
وأوضح إمام المسجد الحرام أن من رام الوصول إلى الصراط المستقيم، والثبات على الطريق القويم، فعليه بمتابعة النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فذلكم هو طريق الله الذي نصبه لعباده على ألسنة رسله، وجعله موصلاً لعباده إليه، ولا طريق لهم إليه سواه، ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قول الله جل في علاه: إياك نعۡبد وإياك نسۡتعين . ٱهۡدنا ٱلصرط ٱلۡمسۡتقيم) ولا يكون العبد محققًا لإياك نعۡبدإلا بأصلين عظيمين الأول: إخلاص العبودية لله تعالى، فعن عمر أن النبي ﷺ قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (أخرجه البخاري) والثاني: متابعة الرسول ﷺ، وذلك بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، قال عز وجل: وما ءاتىكم ٱلرسول فخذوه وما نهىكمۡ عنۡه فٱنتهواۚ (سورة الحشر، من الآية: 7)، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد» (متفق عليه)، وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال في باطنها.
وأفاد "الدوسري" أن للاتباع مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة في دين الله، فهو الغاية من إرسال رسل الله، قال الله: وما أرۡسلۡنا من رسول إلا ليطاع بإذۡن ٱللهۚ (سورة النساء، من الآية: 64)، وعلى قدر اتباع المرء يوزن إيمانه، وتتفاوت منزلته، ولذا تضافرت الأوامر الإلهية على لزوم متابعة النبي ﷺ، إذ جعل الله اسم النبي ﷺ مقرونًا باسمه تعالى في أشرف كلمة، وأعظم ركن في الإسلام، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وقد أمر الله بطاعة رسوله ﷺ في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه، قال سبحانه: من يطع ٱلرسول فقدۡ أطاع ٱللهۖ ومن تولى فما أرۡسلۡنك عليۡهمۡ حفيظٗا (سورة النساء)، وقال تعالى: ومن يطع ٱلله ورسولهۥ يدۡخلۡه جنتٖ تجۡري من تحۡتها ٱلۡأنۡهر خلدين فيهاۚ وذلك ٱلۡفوۡز ٱلۡعظيم (سورة النساء).
وأكد أن الخير كله في متابعة الرسول، والبركة كلها في حفظ كلامه المنقول، فهو العلم المأمول، وطريق الوصول، فالعلم ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول، ففيهما الهدى لكل ملتمس، وهما النجاة لكل محترس، وهما الفرقان لكل ملتبس، فنورهما خير نور لمقتبس، فالسلامة كل السلامة في الاتباع، والندامة كل الندامة في الابتداع.
ولفت خطيب الحرم المكي إلى ان في شريعة رسول الله ﷺ سفينة مأمونة، من اعتصم بركوبها نجا، ومحجة من سلك طريقها وصل إلى المنى، لأنه ﷺ مؤيد بالعصمة (وما ينطق عن ٱلۡهوى . إنۡ هو إلا وحۡيٞ يوحى) فذلكم الكمال الذي لا نقص فيه، والجمال الذي لا تزوير يعتريه، والجلال الذي لا دون فيه، ففي ذلك الشفاء والمطلوب، ومن اقتدى به تجنب الآثام والذنوب، وأقلع عن القبائح والعيوب، وبلغ من رحمة مولاه المنى والمرغوب، قال علام الغيوب: لقدۡ كان لكمۡ في رسول ٱلله أسۡوة حسنةٞ).
وحذر من اتباع الأهواء ومداخلها فإن لها صورا وألبسة تغر كثيرًا من الناس، ولا يزال الشيطان يلج على المؤمن من أبواب الهوى حتى يهلكه، ولا يقف أمام هذه الأهواء ويوصد أبوابها إلا تجريد الاتباع للنبي المصطفى ﷺ، فاتبعوه حق الاتباع، ولا تحيدوا عن مسلكه ولو دعتكم إلى ذلك الدواعي، فما ثم إلا اتباع أو ابتداع، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص t أن النبي ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»، وقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين شددوا على أنفسهم؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وكان من أواخر وصايا عمر أنه قال: «قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا بالناس يمينًا وشمالًا» .