أعدّها "فيصل بن مشعل".. تعرف على مفاهيم ومكتسبات "يوم التأسيس"

أمير منطقة القصيم فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز
أمير منطقة القصيم فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز

أعد الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم بمناسبة يوم التأسيس للمملكة العربية السعودية، المفاهيم والمكتسبات، وقد تم نشرها في المكتبة الرقمية، وجاءت كالتالي:

مفاهيم التأسيس

استعادة ذكريات الأحداث السعيدة والمفصلية في حياة الإنسان وسيلة مهمة لترسيخ المشاعر الإيجابية المرتبطة بهذا الحدث، وتتزايد أهمية ترسيخ تلك المشاعر حينما يكون الأمر متعلقًا بالوطن، ومن توفيق الله ونعمه على أبناء هذا الوطن وجود كم كبير من الإرث التاريخي المشرف لبلادهم يأتي في مقدمته تاريخ التأسيس، ونتيجة للحرص الكبير على تدقيق ومراجعة تاريخ بلادنا والرد على المغالطات التي كُتِبَت خطأ أو عمدًا، مما استلزم تسليط الضوء على مراكز الإشعاع الحضاري ومحطاته الزمنية في التاريخ السعودي.

كان هناك من يحاول الانتقاص من إمارة الدرعية وقوتها خلال عشرين سنة من حكم المؤسس الإمام محمد بن سعود، متجاهلًا حقائق تاريخية تمثلت بجهود ذلك الرجل لوضع أسس الدولة منذ توليه الإمارة، والمصادر الموثوقة تؤكد كم عمل -رحمه الله- على تأسيس مؤسسات الدولة عسكريًا واقتصاديًا، لتصبح تلك الإمارة الصغيرة دولة مرهوبة الجانب يقصدها الضعيف والمظلوم؛ لطلب الحماية والنصرة، وتخشاها القوى الظالمة التي طالما تحكمت بميزان القوة النجدية من قبل.

كما أن جيرانها باتوا يطلبون وُدّها منذ نجاحها بتحقيق الأمن في نجد وإقامة علاقات خارجية ناجحة وانفتاحها السياسي والثقافي والعلمي مع جيرانها؛ الأمر الذي مهّد لتكون الدرعية مقرًا لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وحامية له مما لحق به من ظلم أدى لإخراجه من بلدان نجد الواحدة تلو الأخرى، وعندما تم ذلك تحقق النجاح للدعوة وأصبحت واسعة الانتشار كبيرة النجاح.

الأمر الملكي:

قيادة تدرك أهمية التاريخ وتوثيقه في حياة الدول وسيرها، من هنا جاء الأمر الملكي الكريم بتحديد الثاني والعشرين من فبراير ليكون تاريخًا لتأسيس الوطن تحت قيادة آل سعود في حق تاريخي يزيد على ثلاثة قرون يؤكد عراقة حكم هذه الأسرة منذ أن انطلقت مسيرة حكمها المباركة في عام 1139هـ/ 1727م.

إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حين أصدر هذا الأمر قد وضع الأمور في نصابها؛ إدراكًا منه لأهمية التوثيق التاريخي الحضاري وانعكاساته على الجوانب التنموية والمكانة الدولية للمملكة؛ خاصة مع ما تشهده من نهضة سياسية واقتصادية يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله؛ حيث بات تاريخ الدول العريق وإرثها الثقافي العميق وسيلة لنجاحها الشامل.

ولا شك أن هذا الأمر الملكي سيكون له أكبر الأثر في تعزيز الانتماء الوطني، لتصبح ذكرى التأسيس يومًا مشهودًا لدى السعوديين؛ إدراكًا منهم لأصالة تاريخ بلادهم وعمقها التاريخي، كما سيصبح هذا التاريخ مرتبطًا بالذاكرة، ومحفزًا على خدمة الوطن بكل السبل، وهذا القول يشهد له النجاح الباهر الذي تحقق بعد تفعيل اليوم الوطني وذكرى التوحيد بعد أن عانى الوطن من جهل وتجاهل ذكرياته الخالدة سنوات طوال؛ فوجب التذكير بأيامنا المشهودة لتكون سبيلنا للنجاحات المنشودة.

جذور التأسيس:

انتقلت قبيلة بني حنيفة إلى اليمامة في مطلع القرن الخامس الميلادي، حينما سار عبيد بن ثعلبة بعشيرته حتى وصل إلى موقع حجر، وهي الرياض اليوم، وكانت مدينة مهجورة البيوت، فاستقر بها.

وبعد ذلك قام أفراد القبيلة بتأسيس عدد من المراكز للاستقرار على ضفاف وادي حنيفة، لتصبح اليمامة إقليمًا تحكمه هذه القبيلة، وقد دخلت اليمامة بقيادة ملكها ثمامة بن أثال الحنفي في الإسلام خلال العهد النبوي، وخلال العصر الإسلامي بعد انتقال العاصمة الإسلامية خارج الجزيرة العربية أصبح إقليم اليمامة في طي النسيان.

ونتيجة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمامة انتقلت بعض أسر بني حنيفة إلى شرق الجزيرة العربية، واستقروا في موضع يسمى الدروع أو الدرعية فترة طويلة، ومع منتصف القرن التاسع الهجري تقريبًا الخامس عشر الميلادي جرت مراسلات بين زعيم هذه الأسرة مانع بن ربيعة المريدي آنذاك، وابن عمه ابن درع المقيم في اليمامة، فنتج عن ذلك عودة مانع المريدي إلى نجد هـو وأفراد عائلته، حيث منحه ابن درع أرضي المليبيد وغصيبة، ليؤسس مدينة الدرعية عام 850هـ/ 1446م التي تحولت لاحقًا إلى إمارة يتوارثها أبناء مانع المريدي وأحفاده من بعده.

‏وكان استلام سعود بن محمد بن مقرن إمارة الدرعية سنة 1132هـ/ 1725م بداية مرحلة مهمة من تاريخها؛ حيث زادت قوتها، وأصبحت ذات تأثير في سير الأحداث في منطقة العارض، لكن تولي الأمير محمد بن سعود الإمارة سنة 1139هـ/ 1727م شكّل النقلة التاريخية للدرعية؛ إذ بدأت مرحلة التحول إلى كيان سياسي تمثّل بالدولة السعودية الأولى.

كيف تحولت المدينة إلى دولة؟

مفهوم المدينة الدولة state city مفهوم تاريخي يعود إلى ما يقارب 500 عام قبل الميلاد؛ حيث كانت المدن تشكل دولًا بذاتها، وكان من أبرزها: أثينا وإسبرطه ومقدونيا، حيث شكّلت كل واحدة من هذه المدن كيانًا سياسيًا مستقلًا، وفي تاريخنا الإسلامي نموذج خالد تمثله المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية؛ حيث شكّلت المدينة دولة خلال المرحلة الأولى من الهجرة النبوية التي كانت مثالًا واضحًا لهذا النموذج من الدول.

ويمكن تطبيق هذه الحالة على الدرعية؛ حيث كانت مؤهلة لتشكل نموذجًا مثاليًا للمدينة الدولة؛ حيث تم تأسيسها على أساس متفقة مع ذلك، ويُستنتج من مسيرة الإمارة من بعد مانع المريدي توجّه واضح للاستقلال بحكم شبه الجزيرة العربية دون تبعية لقوة أخرى، كما يلمس وجود دستور عائلي للحكم ركّز على فكرة الدولة، وعلى العنصر العربي، وهذا ما جعل هذه المدينة تقوم على أساس دولة عربية وليس على عصبية قبلية.

وقد جاء تحوّل الدرعية للمرحلة النهائية من نموذج المدينة الدولة خلال عهد المؤسس محمد بن سعود؛ حيث أصبحت مركزًا حضريًا يقطنها نسبة كبيرة من السكان، كما باتت مكتفية ذاتيًا من الناحية الاقتصادية بتميز موقعها على وادي حنيفة، ومرور طرق التجارة بها، مما نتج عنه الرخاء الاقتصادي والقوة والمنعة، حيث باتت تلك المزايا سببًا لاستقطاب فئات السكان من داخل نجد وخارجها، مما جعلها مؤهلة للانتقال إلى مرحلة الدولة.

وقد استوعب الأمير الإمام محمد بن سعود تاريخ المنطقة واستفاد من خبرته في مجريات السياسة، فنجح -بفضل الله ثم بفضل عبقريته- في نقل الدولة المدينة إلى مرحلة الدولة، والتي تعارف المؤرخون على تسميتها بـ(الدولة السعودية الأولى)، وكانت الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا دولة عربية صافية بحكامها وشعبها، لم تطأها يد أجنبية معتدية إلا ودحرته.

لماذا يوم 22 فبراير؟

حفلت الستة أشهر الأوَل من عهد الإمام محمد بن سعود بالأحداث المؤثرة في مسيرة الدرعية، واتخاذ الخطوات الفارقة للتحول إلى عصر الدولة الواسعة، ومن خلال إعادة قراءة الأحداث التاريخية وتحليلهـا وبناء على المنهج التاريخي الحولي فإن منتصف ذلك العام 30/ 6/ 1139هـ الموافق 22 فبراير 1727م هو الأكثر دقة ليكون يوما للتأسيس، وما سبق من كتابات هي اجتهادات ورؤى لا يمنع من تصحيحها بعد إعادة القراءة والاستنتاج حسب منهج تاريخي عالمي.

وقد تبين أن ما كان متداولًا بتحديد عام 1157هـ/ 1744م لربط تأسيس الدولة باتفاق الدرعية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب قد أغفل الجهود التي بذلها الإمام محمد بن سعود خلال عشرين سنة من حكمه منذ أن تولى الحكم الدرعية عام 1139هـ/ 1727م ليتم تأسيس الدولة، كما أن المصادر التاريخية أعطت ذلك الاتفاق أهميته من المنظور الديني، لا تاريخًا للتأسيس.

ولا شك أن استقرار الدعوة الإصلاحية في الدرعية وممارسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب واجبه الديني؛ خدمةً للدولة التي أصبح كنفها حدثًا مهمًا أسهم مع غيره من العوامل تعزيز تأسيس الدولة، حيث أسهمت الدعوة في تعزيز مبادئ الدولة القائمة على الدين الإسلامي الصحيح والتوحيد ونبذ الخرافات والممارسات البدعية ولا علاقة لذلك بتاريخ تأسيس الدولة.

فالتأسيس وتغيُّر شكل الحكم من المدينة الدولة إلى الدولة الواسعة كان سابقًا لاتفاق الدرعية بما يقارب عشرين عامًا، وقد نص نظام الدولة الأساسي على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية دينهـا الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأسس الدولة تقوم على الإسلام والحكم الرشيد للأسرة المالكة المتجذر القائم على ذات المبادئ منذ تأسيس الدرعية على يد مانع المريدي الجد الثالث عشر لملك البلاد خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، حيث تمتد سلسلة الحكم لدى الأسرة السعودية المالكة عبر ما يقارب 600 عام.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org