تتكاتف الجهود الدولية مع بعضها حالياً؛ للحد من انتشار فيروس "كورونا" الجديد، وتقليل التأثيرات الناجمة عنه، لاسيما بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن الفيروس أصبح يمثل حالة طوارئ صحية عالمية، بعد ظهور حالات إصابة في دول أخرى غير الصين، واستجابةً للمخاطر التي يمثلها "كورونا"، قررت السعودية تعليق الدخول إليها لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتاً، وتعليق الدخول إليها بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التي يشكل انتشار الفيروس منها خطراً، وذلك ضمن الإجراءات العديدة، التي اتخذتها لتوفير أقصى درجات الحماية لمواطنيها والمقيميين على أراضيها، وكل من ينوي القدوم إليها لأداء مناسك العمرة أو زيارة المسجد النبوي أو لغرض السياحة.
فقرار المملكة ينسجم تماماً مع حالة التأهب والاستنفار الصحي، التي تشمل دول العالم كله، ويسهم في الجهود الدولية لمحاصرة الفيروس ومنع انتشاره، بناءً على مناشدة منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد، كما أنه يتعاطى على نحو سليم من الناحية الصحية مع طبيعة فيروس "كورونا"، من حيث كونه "فيروساً من فيروسات الجهاز التنفسي ينتقل أساساً عن طريق القطيرات التي يفرزها شخص مصاب أثناء السعال أو العطس، أو عن طريق قطيرات اللعاب أو إفرازات الأنف، ويمكن أن تنتقل العدوى به أيضاً نتيجة لمسك الشخص لعينيه أو فمه أو أنفه بعد ملامسة سطح ملوث بالفيروس"، وذلك وفقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية له، وتأكيدها أنه سلالة جديدة من الفيروس لم يسبق اكتشافها لدى البشر.
وفي ضوء طبيعة الفيروس كمرض من أمراض الجهاز التنفسي، وطرق العدوى به، يتبين أهمية القرار السعودي القائم على حرمان الفيروس من بيئة مثالية لانتشاره، تلك المتمثلة في التجمعات البشرية، وهي الحالة الغالبة على أداء مناسك العمرة أو الأفواج السياحية، وذلك مع افتراض وجود حالة مصابة وسط تلك التجمعات، وهو ما يتماشى مع الإجراءات النموذجية لمنع انتشار العدوى، التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، وتضمّنت في أحد بنودها تجنّب مخالطة أي شخص تبدو عليه أعراض الإصابة بمرض تنفسي مثل السعال والعطس، والمملكة منعت أي إمكانية لمخالطة مصابين مفترضين، وبذلك تحدّ من انتشار الفيروس.
ويضع القرار السعودي في الحسبان أن فيروس "كورونا" يمكن أن ينتشر من خلال أشخاص لا تظهر عليهم الأعراض، فقد أعلنت السلطات الصينية أن فترة حضانة فيروس كورونا ليست 14 يوماً كما هو شائع، وإنما قد تصل إلى 28 يوماً بناء على حالات اكتشفتها، وهو ما يعني أن المصاب بـ"كورونا" قد لا تظهر عليه الأعراض إلا بعد 28 يوماً، وخلال هذه المدة التي يتحرك فيها بحرية يتضاعف خطره في نشر الفيروس بين أعداد كبيرة من البشر، والمملكة بتعليقها تأشيرة العمرة أو التأشيرة السياحية للدول، التي ظهر فيها الفيروس تلغي تماماً أن يتسرب الفيروس إلى أراضيها، خلال فترة حضانة الفيروس في شخص مصاب لم تظهر عليه الأعراض.
ومن الأسباب المهمة لاتخاذ السعودية قرارها بتعليق تأشيرة العمرة، ظهور الفيروس في دول إسلامية، ودول قريبة منها جغرافياً، ففي منطقة الشرق الأوسط وحدها، ظهر الفيروس في إيران والعراق والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ومصر ولبنان والجزائر وأفغانستان، والمملكة بهذا النمط في انتشار الفيروس، تكاد تكون مطوقة بمصادر العدوى المحتملة، ما يفرض عليها اتخاذ كل ما في وسعها لمنع دخوله إلى أراضيها، بالإضافة إلى استشعارها لمسؤوليتها الإنسانية والإسلامية، وحرصها على ألا تكون حلقة من حلقات انتشار الفيروس بالنسبة للمسلمين، الذين يفدون إليها لتأدية مناسك العمرة، أو السياح الذي يأتون إليها لأغراض السياحة.