نسمعُ كثيرًا عن الأمثال القرآنية ونمر عليها في كتابه الكريم، وقد نقرأ سردًا دون تدبّر أو فهم لمعانيها أو الحكمة من نزولها، ولها بلاغة خاصة لا يُدركها إلا العارف والمُطّلع، وجاء ضربها للعباد لسهولة الفهم والإدراك حتى لا يكون لأحد حجة يوم القيامة، وتكون كل الدلائل العقلية والكونية والأدبية تُؤمن بكلمة لا إله إلا الله إيمانًا تامًا وتعمل بمقتضاها.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضًا من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدايةً قال ضيف الحلقة "الذكري": لكل بداية نهاية ولكل سباق غاية، أيام قضيناها مع الأمثال القرآنية في الشهر الكريم، وها هو الشهر قد قُوضت خيامه، وارتحلت أيامه، ولأنّ هذا اللقاء آخر اللقاءات عن الأمثال؛ فقد تزاحمت الكلمات والجمل في اختيار آخر مَثلْ من الأمثال الكثيرة ليكون مسك الختام وتمام الكلام فآثرت العدل في ذكرها فهذا لقاء عن تجديد فضلها وعلو مكانتها ليدفعنا إلى قراءة وتأمل جميع الأمثال التي ضربها الله لينتفع العباد بالاهتداء، قال الله - تعالى- حاثاً على لزوم العظة من الأمثال وطلب معرفتها، "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"
وأضاف: هذه الأمثال التي نضربها لكم هي لأجلكم وبطريقة ميسرة لكم ومقربة مما تعرفونه من وجوه البلاغة في الخطاب، وليس ورودها إليكم ورود أخبار وتسلية، بل لهدف عظيم وهو العلم والعمل فقال "وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"، والعالم يعرف قدرها ويقوم بحق الله فيها، قال السعدي - رحمه الله - "الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن، إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها، لاعتناء اللّه بها، وحثّ عباده على تعقلها وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها، وأما من لم يعقلها، مع أهميتها، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى. ولهذا، فإن أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها".
وواصل الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية، حديثه، بقوله: ليعلم المسلم أن سبيل العلم بها هو التفكر وطلب الاهتداء، قال - تعالى- "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
وأكّد "الذكري"، بقوله: إذا أردت أيها الحصيف أن تنال من فقهها، وتقطف من أزهار ربيعها، فادخل إليها من باب فهم الآية بمعرفة تفسيرها، والتي تبدأ بهذه الخطوات: اختر المثل من قائمة الأمثال الموجودة في كتب الأمثال كأمثال القرآن لابن القيم، أو من القرآن مباشرة، ثم اقرأ الآية قراءة المعنى الإجمالي وعليك بكتاب "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" للشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله -.
وأضاف في نصائحه: تأمل في سياق الآية وارتباطها بما قبلها وما بعدها فإنّ معرفة السياق والترابط بين الآيات يزيدك فهماً ويُطلعك على فرائد الفوائد، ولا تغفل عن كتاب" نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي.
وواصل "الذكري"، حديثه عن خطوات تدبّر القرآن وفهم معانيه: تأمل في التفاسير التي اعتنت بنقل كلام السلف فإنّ كلامهم قليل الكلمات كثير العظات، وتمسّك بتفسير القرآن العظيم لابن كثير فإنّ التدبر فيه كثير، وإن رامت عينك للمطولات فدونك جامع البيان لابن جرير الطبري فهو من النعم التي أنعم الله بها على أهل الإسلام في فهم القرآن.
وختم الباحث الذكري في الدراسات القرآنية عبر "سبق": آخر الخطوات هو سؤالك لنفسك، ما الفائدة التي اطبقها من هذا المثل في حياتي فإنّ القرآن نزل لنعمل به. واجعل بدايتك التدبرية في هذا المثل العظيم: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".