ترددت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة -لا سيما عند تنظيم التظاهرات الثقافية مثل معارض الكتب في الدول العربية- مقولة أننا "أمة لا تقرأ"، وهي نتاج لبعض استطلاعات الرأي، التي أجرتها بعض الجهات، وليست نتاجًا لدراسة مسحية تشمل الدول العربية كلها.. واستمرار تردد المقولة بالتزامن مع انطلاق نسخة عام 2023 من معرض الرياض الدولي للكتاب؛ يطرح تساؤلًا عن مدى إسهام المعرض في نشر ثقافة القراءة في المملكة وفي الدول العربية؟
يمتلك معرض الرياض للكتاب تجربة واسعة تمتد زمنيًّا إلى 48 عامًا منذ انطلاق نسخته الأولى عام 1976م، ومن الطبيعي أن يساهم تراكم سنوات عمر المعرض في نشر ثقافة القراءة ورفع معدلها؛ لا سيما أنه يشكل موردًا سنويًّا لتكوين المكتبة المنزلية، التي تلعب دورًا مهمًّا في تنمية وتحفيز الميل إلى القراءة لدى الأفراد، كما أن ما يتميز به المعرض من إتاحة محتوى فكري وثقافي متنوع من قِبَل الناشرين، يُعَد عامل جذب قوي في تشجيع زوار المعرض من المملكة وخارجها على اقتناء الكتب وقراءتها.
وعن دور معرض الرياض للكتاب في الإسهام في نشر ثقافة القراءة تشير الإحصائية والبيانية، إلى أن المعرض يحظى بإقبال جماهيري كبير، وقد تخطى عدد زواره عام 2022 المليون زائر؛ وفقًا لما أعلنه وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وكِبَر عدد الزائرين للمعرض يمثل مؤشرًا دالًّا على الاهتمام بالقراءة.. ومن المؤشرات المهمة أيضًا ما خلُصت إليه الدراسة، التي أجرتها جمعية "شارك" للبحوث والدراسات لقياس معدلات القراءة في المجتمع السعودي خلال عام 2022، من أن 32.5% من المجتمع السعودي بشكل عام يقرؤون على الأقل 4 صفحات يوميًّا من الكتب، التي لا تشمل الأخبار أو المجلات أو الصحف الإلكترونية أو الورقية.
وتُظهِر مؤشرات دولية مثل بيانات "NOP World Culture Sore Index" الذي يقدم مؤشر الإنجاز الثقافي، والذي صدر عن شركة ستاتيستا الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، بالاشتراك مع صحيفة إندبندنت البريطانية عام 2021، أن كلًّا من مصر والسعودية دخلتا ضمن الشعوب الأكثر قراءة عالميًّا؛ إذ احتلت مصر المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر قراءة بمعدل 7.30 ساعات؛ فيما احتلت السعودية المرتبة 11 عالميًّا بمعدل 6.46 ساعات أسبوعيًّا؛ في حين احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز 23 دوليًّا بمعدل 5.42 ساعات أسبوعيًّا.
وتُبَين هذه المؤشرات الإحصائية ارتفاع معدل القراءة في السعودية وغيرها من الدول العربية، والارتفاعُ نتاج أساسي لإسهام معرض الرياض الدولي في نشر ثقافة القراءة في المجتمع السعودي؛ مما يبرهن على خطأ مقولة "أمة لا تقرأ" أو عدم تطابقها مع واقع القراءة الحالي.