من أكثر الأعمال مشقة ومللاً بالقطاع الخاص تلك الوظائف التي يكون فيها الدوام على فترتين (صباحية ومسائية)، وكل فترة منها يتخللها فترات للراحة والصلاة والطعام؛ وهو ما يطيل من ساعات العمل لتمتد من 8 ساعات إلى 12 ساعة؛ ما يجعل الموظف طوال ذلك اليوم سجينًا خلف قضبان الوظيفة، وكل همه كيف يستطيع التحرر من عبودية القطاع الخاص، وكيف يمكنه الحصول على وظيفة حكومية بدوام واحد، ينتهي منه، ثم يستمتع ببقية اليوم، وينجز بقية مشاويره؟!
اليوم أصبح العام الدراسي هو الآخر أكثر مشقة ومللاً، وأشبه ما يكون بالدوام اليومي للموظف الأهلي بالقطاع الخاص؛ إذ يداوم المدرسون والطلبة فيه طوال العام، وذلك بعد أن أعلن معالي وزير التعليم أن التقويم الدراسي سيكون بنظام ثلاثة فصول بدلاً من فصلَين دراسيَّين، وأن يتكون كل فصل من 13 أسبوعًا، وكل فصل يتخلله إجازات مطولة عدة لنهاية الأسبوع، إضافة لإجازة بين كل فصل وآخر؛ لتصل بمجموعها خلال العام إلى ١٢ إجازة متقطعة!!
فترات الإجازات المتقطعة التي ستتخلل الفصل الدراسي الواحد لن يستمتع بها لا المعلمون ولا الطلبة بالمطلق، بل أقصى ما سيقوم به كل منهم خلالها أن يضبط منبه ساعته ويأخذ له (غفوة) سريعة قبل أن يستيقظ منزعجًا ومفجوعًا من الكوابيس التي تخللتها على موعد فترة الدوام الثانية، وهكذا تروح أعمارهم ما بين المدرسة والفراش!
ربما كنتُ سأتفهم قرار تمديد العام الدراسي فيما لو كان الغرض منه ضغط السنتين أو الأترام الثلاثة بسنة، خاصة بالثانوية، كما هو الحال باستفادة الكثير من طلبة الجامعة من الترم الصيفي بتسجيل مواد تعجل بالتخرج، أما أن يبقى احتساب العام الدراسي الطويل بالسنة الدراسية السابقة نفسها فهذا يذكّرنا بتلك الطرفة العربية التي تقول: سأل الناس: «أين أُذنك يا جحا؟»، فرفع يمناه، ودار بها حول رأسه متخطيًا أُذنه اليمنى القريبة؛ ليشير إلى أُذنه اليسرى البعيدة بالجانب الآخر!
ربما كنتُ سأتفهّم قرار تمديد العام الدراسي فيما لو كانت المناهج والطريقة التعليمية طويلة ومعقدة وصعبة كما كانت منذ عقود، أما اليوم فنحن أمام تحدي إرساء التحول الرقمي وتأصيل التعاملات الإلكترونية السريعة للحاق بالدول المتقدمة ومجاراتها.
الغالبية تكاد تتفق على أن الإجازة الصيفية للمعلمين والطلبة، الممتدة لأربعة أشهر، طويلة جدًّا، وتغذي الكسل والخمول لديهم، لكن معالجتها بهذا الشكل الطويل والمرهق ستولّد مع الوقت ضغوطات عصبية وأمراضًا نفسية، تنعكس سلبًا على مجتمعنا، بخلاف أن الإجازة الصيفية لم تكن فقط للراحة والاستجمام، بل كانت فترة كافية لتناوب الموظفين على أخذ الوظائف خلالها، والسفر بصحبة أبنائهم للمصائف.. كانت فترة مناسبة ليرحل إليها تنفيذ الأحكام ضد الأحداث حتى لا تتأثر دراستهم.. كانت -وما زالت- فترة ملتهبة بحرارة الطقس، سينتج منها الكثير من ضربات الشمس، خاصة بالفسحة والصرفة!
يبدو أن أعين الحاسدين أصابت المعلمين لتبدد إجازتهم الطويلة، وتختصرها بحدود الشهر، حتى أن المعلم - مع تقديرنا البالغ لمكانته - قد يجيبك متى سألته بعد انتهائه من إتمام العام الدراسي «أين إجازتك الدراسية يا مُعلّم؟» بأن يرفع يمناه، ويدور بها حول العام الدراسي متخطيًا إجازته القريبة التي كانت تبدأ برمضان؛ ليشير لإجازته اليسرى البعيدة التي تبدأ بذي الحجة!!