بين سجادة و"صبل".. قصة العم "المشيخي" من الذود عن الوطن إلى المزرعة

كفاحٌ ترويه تفاصيله وتجاعيد وجهه والمرجمة والمفقاع.. و"سبق" ترصد وتُوَثق
 محمد بن علي المشيخي
محمد بن علي المشيخي

ما بين مرجمة ومفقاع وأحجار ومزرعة وسجادة ونظارة؛ يعيش العم محمد بن علي المشيخي (75 عامًا) بقرية المعشور جنوب مركز قنا بعسير، محافظًا على مهنة الأجداد؛ مُجَسّدًا قصة كفاح ترسم ملامحها تجاعيد وجهه فيما لم تُغَير المدنية من حياته؛ حيث يقضي معظم وقته بـ"صبل" يقع على حافة مزرعته التي يقتات وأسرته من ما تجود به من حبوب مختلفة بذرتها كفوفه وسقاها مزن السماء وقطرات المطر وعرق جبينه.

وفي التفاصيل، يقول العم "محمد"، الذي التقته "سبق" بعد أن قادها إليه صوت يشبه صوت الطلق الناري الذي يتبين أن مصدره أداة "المفقاع" الذي يُستخدم لطرد الطير بعد أن يأخذ قسمه من عذوق الحب التي تملأ أرجاء مزرعته: "التحقت بالجيش العربي السعودي لأخدم وطني 12 عامًا، تنقلت فيها بين نجران وشرورة وخميس مشيط، وشاركت في حرب الوديعة لأتقدم بطلب إنهاء خدمتي العسكرية من أجل أن أتفرغ لخدمة والدتي المسنة في حينها".

وأوضح: "عكفتُ على العمل في مَزارعي ورعي الأغنام وقيادة المعدات الثقيلة في رؤوس الجبال وبطون الأودية، إلى أن وهن جسدي"؛ مشيرًا إلى أنه يخصص كل وقته لزراعة الحبوب المختلفة مثل الزعر والقريني والبجيدة والدخن والسمسم، والتي تأتي تزامنًا مع هطول الأمطار التي تشهدها المنطقة؛ مبينًا أن موسم الخريف أفضل المواسم؛ حيث يزرع فيه كل أنواع الحبوب.

"المرجمة والمفقاع والمصرمة والمحش والجرين" أدواتٌ استخدمها الأجداد وخلّدها العم "المشيخي" الذي قال: تَغَير الحال في بعض مفاصل المهنة؛ فبعد أن كانت تداس العذوق بالبقر، أتت السيارات، فالحصادات، بدلًا منها مؤخرًا؛ مشيرًا إلى أن "العانة" (وهي الاستعانة بالرفاق والجيران لحصد المحاصيل الزراعية) التي لا تتجاوز تكلفتها إطعام تلك الوفود ومنحهم بعض ما تجود به المَزارع، قد اختفت ليحل محلها العمالة التي تأخذ أجرًا ماديًّا لقاء بذر الحبوب وحمايتها والحصد والصرم.

وعن ما يتبقى للعم "المشيخي" من الحبوب بعد أن تأخذ الطيور والقرود نصيبها، قال: "أقوم بأخذ ذلك لمنزلي لنقتات منه ونوزع البعض على الجيران والمحتاجين".

وقبل أن تودّع "سبق" العم "المشيخي"، شاهدت وعاء ممتلئًا بالأحجار وسجادة ونظارة معلقة بجذع الشجرة المظللة لـ"صبله"؛ ليبين أن الأحجار تُجمع لاستخدامها في طرد الطيور والقرود التي تُفسد المزارع، أما السجادة والنظارة التي لا تغادران "الصبل" فيقضي بهما العم "المشيخي" وقته بين راكع وساجد وقارئ للقرآن.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org