أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي، المسلمين بتقوى الله -عزّ وجلّ- في موسم تتجلى فيه معالم التقى ويتحلى المؤمنون من صنوف العبادات بأبهى الحلى.
وقال: اعلموا يا رحمكم الله أن لله اصطفاءات من خليقته واجتباءات من بريته، تفضيلا دالا واسع فضله ودقيق عدله وبديع حكمته، فإنه المطلع على حقائق الأمور وجواهرها، الخير ببواطنها وظواهرها فله جل شأنه اصطفاءات في الزمان والمكان والأعيان، يختار من الأماكن أشرفها، ومن الأزمان أفضلها، ومن الأعيان أزكاها وأخلصها، فيجعلها محط الفضائل ومهبط البركات ومهوى الخيرات، فعدله وفضله السابغ هو لسان ميزان الاجتباء والاختيار، وأن منزلة شهر رمضان بين الشهور بمنزلة الربيع من الزمان، والجوهر النفيس من التيجان.
وأضاف الحذيفي: تأملوا هذا الموقف المهيب والمشهد العجيب الذي راوه أبو هريرة -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، صعد المنبر فقال: "(آمين آمين آمين) قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين".
ووصف شهر رمضان بأنه شهر تقبل فيه النفوس والأرواح على ربها إقبال الصادي على المشرع الدفاق، وتنطلق فيه روح الجوارح والألسن إلى الخير انطلاق الجواد في السباق، فالعبد مهما طال عن الله بعده وقسا قلبه وقحطت عينه، فدواعي الخير في حنايا قلبه ونوازع الصلاح في دواخله لها حنين الى رياض الذكر، وأنين ووحشة الانقطاع، لا تموت نفسه اللوامة وإن ضعفت سطوتها.
وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: الصوم مدرسة من مدارس الإيمان ومعراج الى منزلة الاحسان، قال صلى الله عليه وسلم (الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك.) لأنه سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه سواه، ولا يعلمه غيره، فهو عبادة تتحقق فيها معاني الإخلاص لله، وصدق العبودية له، فحال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقريباً في الصورة الظاهرة، كما لأنه يميز الممسك من غير الممسك بظاهر حاله، فاختص الله بهذه العبادة وأضافها لنفسه.
واختتم بالقول: في شهر رمضان تتجلى نعمة الله تعالى بهذا الدين الذي شرعت فيه هذه العبادات العظيمة تحقيقاً لمصالح كبرى ومقاصد عظمى من تربية المؤمن على الصبر وقمع النفس عن شهوتها وشعور الغني بحرارة الجوع عند الفقير وتزكية النفس وجلاء مرآتها حتى تشع في أنحائها أنوار القرآن وتنطق في حناياها أسرار الإيمان، وحقيق بالعبد أن يشكر الله جلّ وتقدّس على تلك المنن كما ختم الآية بالحث على شكره والثناء عليه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).