تستمر المملكة في إطلاق المبادرات الهادفة إلى الاهتمام باللغة العربية، ورفع الإجحاف الذي تواجهه من الكثير من أبناء لسانها، فبعد إطلاق مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لخدمة اللغة العربية في عام 1429ه للمحافظة على سلامة لغة الضاد، والإسهام في دعمها وتعلمها عبر العالم؛ هاهي اليوم (الأربعاء) تطلق مبادرة جديدة ومختلفة في العناية باللغة العربية، تمثلت في إعلان وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان تسمية عام 2020 بـ"عام الخط العربي"؛ احتفاءً بما يزخر به الخط العربي بأنواعه العديدة من إمكانات فنية أدهشت الحس الجمالي لكل من اطلع عليه في أعمال الفنانين التشكيليين العرب.
ويواكب إطلاق مبادرة تسمية عام 2020 بـ"عام الخط العربي" اليوم العالمي للغة العربية، الذي خصصت له منظمة اليونسكو الثامن عشر من ديسمبر من كل عام؛ تقديرًا منها للغة العربية التي يتكلّمها يوميًّا ما يزيد على 290 مليون نسمة من سكان الكرة الأرضية، وتعد إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، وقد أخذت السعودية على عاتقها تحقيق أربعة أهداف في مبادرتها عن الخط العربي؛ أولها إبراز فن الخط العربي بوصفه فنًّا قائمًا بذاته، وتتضح أبعاد هذا الهدف إذا عُرف أن أنواع الخط العربي تعد بالعشرات، أما أشكالها فبالمئات، وعلى سبيل المثال تبلغ أشكال كتابة الخط الكوفي مئة وعشرين شكلًا، كل منها يملك جماليات تميزه عن البقية.
وتتلاقى المبادرة في هذا الهدف مع قابلية الخط العربي لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب؛ ما جعل له إمكانات فنية لا محدودة لا زالت تلهم الفنانين العرب بلوحات فنية مبهرة، كما تهدف المبادرة إلى تعزيز وتحفيز ممارسات الخط العربي على مستوى المؤسسات والأفراد، وتقديم الدعم للمتخصصين والموهوبين، ونشر ثقافة استخدام الخط العربي بين النشء، باعتبارهم الامتداد الطبيعي لانتشار اللغة العربية، وحاملي لوائها بين الأمم، وكذلك توحيد جهود القطاعات المعنية والمبادرات الفريدة حول الخط العربي؛ ما يركز الجهود في خدمة الخط العربي ويوسع إطار التعريف بإمكاناته.
هل يستغرب على المملكة الاهتمام باللغة العربية؟ بالقطع لا؛ لأن هذا الاهتمام ينطلق من وعيها بمكونات هويتها الحضارية، ومنها اللغة العربية التي تعدّ في هذا الإطار جزءًا أصيلًا من شخصيتها المعتزّة بالانتماء إلى أمتها العربية وموروثها الثقافي العريق، ولا يتوقع أيضًا أن تكون مبادرة تسمية عام 2020 بـ"عام الخط العربي" آخر المبادرات التي تطلقها السعودية تعبيرًا عن اهتمامها بلغة الضاد، فمن المؤكد أن تعقب مبادرة الخط مبادرات أخرى، ترتقي بالاهتمام باللغة العربية إلى المستوى اللائق الذي تستحقّه، ومثلما تتجاوز جهود مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية نطاق المملكة إلى العالم كله؛ فإن مبادرة "عام الخط العربي" والمبادرات التالية له ستحظى بالتأثير نفسه.