يواجه النمو الاقتصادي في دول العالم تحديًا كبيرًا من أنماط الفساد المختلفة، التي باتت تلتهم مخصصات التنمية، وتحدّ من استفادة الشعوب بها، فوفقًا لتقديرات البنك الدولي في شهر أبريل الماضي؛ فإن أكثر من 2.6 تريليون دولار، أو ما يساوي نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي يُهدر سنويًا نتيجة للفساد، والظاهرة الأكثر فداحة من ناحية تأثير حجم خسائر الفساد ومضاعفاته، هي ظاهرة استفحال الفساد.
فبرغم الجهود المعلنة للدول في مكافحة الفساد، ووضعه ضمن أولوياتها؛ فإن 95% من بلدان العالم فشلت في إحراز أي تقدم يُذكَر في مكافحة الفساد منذ عام 2017، بحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أوائل فبراير الماضي، مما يشير إلى أن الفساد لا يمثل تحديًا تنمويًا فقط، وإنما تحديًا مستمرًا أيضًا، ويؤدي استمراره إلى استفحال ممارساته واستشرائها في بنية اقتصادات الدول.
واستدعت الخسائر الفادحة، التي يُكبّدها الفساد لميزانيات الدول، وهزال النتائج المحرزة في مكافحته، أن تضعه مجموعة دول العشرين في صدارة القضايا، التي تبحثها قممها خلال السنوات الماضية، ولم يختلف اهتمام الهند بالفساد خلال رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام عن الدول التي سبقتها، حيث خصصت الهند مجموعة عمل لمكافحة الفساد، وقد حققت مجموعة العمل عددًا من النتائج، من بينها تحقيق تقدم كبير في التعاون في مجال مكافحة الفساد، فيما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد المجرمين الاقتصاديين الهاربين وإعادة الأصول.
ونجحت المجموعة في التوصل إلى إجماع في مجموعة العشرين لتعزيز الأجندة الدولية لمكافحة الفساد، بوضع اللمسات الأخيرة على ثلاث وثائق ختامية، حول القضايا المهمة والحساسة في مكافحة الفساد، وستسهم الالتزامات الواردة في هذه الوثائق في منع جرائم الفساد واكتشافها، والتحقيق فيها ومحاكمتها، وتعزيز الأطر المؤسسية المحلية لمكافحة الفساد، وتسليم المجرمين الاقتصاديين الهاربين، واسترداد أصول هؤلاء المجرمين من الولايات القضائية الأجنبية.
وستعزز الوثائق كذلك التعاون الدولي المتعلق بإنفاذ القانون، وتبادل المعلومات لمكافحة الفساد، كما ستعزز نزاهة وفعالية الهيئات العامة والسلطات المسؤولة عن منع الفساد ومكافحته، وينتظر أن يعطي الاجتماع الثالث لمجموعة عمل مكافحة الفساد، الذي يُنظم في مدينة كولكاتا الهندية بالتزامن مع القمة الـ18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، التي تعقد في العاصمة نيودلهي يومي 9 و10 سبتمبر، ينتظر أن يعطي التوجيه للعمل المستقبلي للمجموعة، ويعزز الالتزامات، التي تعهدت بها دول مجموعة العشرين، بالإضافة إلى تبادل الرؤى القيمة، وأفضل الممارسات المتعلقة بمكافحة الفساد في مختلف القطاعات.