أكد مدير عقود التنقل لدى شركة سيركو والمشرف على تنفيذ نظام نقل مستدام متعدد الوسائل لصالح مشروع "البحر الأحمر"، "بريت غريست"، في مقال خص به "سبق"، على ضرورة وضع خطة منذ بدء المشروع للموازنة ما بين تطوير البنى التحتية ذات الكفاءة والموثوقية، ومراعاة أهداف الاستدامة الأوسع نطاقًا؛ مشيرًا إلى أن النقل يشكل أحد أبرز المعوقات في تحقيق هذا التوازن.
وجاءت المقالة كالتالي:
ينبغي على الشركاء والمؤسسات الداعمة للأهداف الواعدة لرؤية السعودية 2030، لا سيما الجهات المنخرطة في العمليات الجارية داخل المدن العملاقة بالمملكة العربية السعودية، بما في ذلك "نيوم" و"العلا" و"البحر الأحمر الدولية"، وضع خطة منذ بدء المشروع للموازنة ما بين تطوير البنى التحتية ذات الكفاءة والموثوقية، ومراعاة أهداف الاستدامة الأوسع نطاقًا.
ويُعد النقل من أبرز المعوقات التي تقف أمام تحقيق هذا التوازن، ليس فقط داخل المملكة؛ وإنما على مستوى العالم. يحل النقل في المرتبة الثانية مباشرة بعد القطاع الصناعي ضمن قائمة القطاعات الأكثر استهلاكًا للطاقة؛ إذ يشكل قطاع النقل ثلث استهلاك الطاقة العالمي؛ وفقًا لأحدث أبحاث مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك).
وتتبنى المملكة أهدافًا طموحة، أبرزها خفض معدل الزيادة السنوي لانبعاثات وسائل النقل من 7% إلى 3% فقط بحلول عام 2030؛ مما يمثل تحديًا كبيرًا لا سيما في خضم مشاريع التطوير الضخمة، وارتفاع عدد السكان، إلى جانب استهداف الدولة لاستقطاب أكثر من 150 مليون زائر بحلول نهاية هذا العقد. ومع ذلك فإن التطور العمراني لا ينتج عنه بالضرورة زيادة موازية في انبعاثات الكربون الناتجة عن قطاع النقل؛ مما دفع المدن السعودية العملاقة لتبني استراتيجية شاملة للنقل متعدد الوسائل الخالي من الانبعاثات؛ تماشيًا مع هدفها المتمثل في الوصول إلى الحياد الكربوني.
إن وسائل التنقل الصغيرة، بما في ذلك الدراجات الهوائية، والدراجات الكهربائية، والزلاجات الكهربائية؛ تتميز بكونها صديقة للبيئة وخالية من الانبعاثات الكربونية. وتحظى أنظمة التنقل الخفيف بتأييد واسع النطاق من الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص على حد سواء، كما تشهد نجاحًا عالميًّا يَظهر جليًا في عدد الدراجات المتاحة للإيجار التي يستخدمها ملايين السكان والزوار سنويًّا في عدة مدن مثل لندن، وباريس، وفانكوفر. وتلعب وسائل التنقل الصغيرة دورًا لا غنى عنه في رحلات الميل الأول والأخير؛ فضلًا عن خفض الانبعاثات، وتحسين جودة الهواء، وتخفيف الازدحام المروري، والتي تمثل جميعها مؤشرات رئيسية في أي دولة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري. بالإضافة إلى ذلك، توفر وسائل التنقل الخفيف للمستخدمين فوائد صحية جمة، وتُحَسن اللياقة البدنية، ويعتبرها الكثيرون وسيلة ممتعة للسفر والاستكشاف.
ومما لا شك فيه أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، فما ينجح في باريس من الممكن ألا ينجح في المملكة؛ إذ يتطلب تصميم برامج التنقل الخفيف المستدامة بنجاح، أن تتماشى مبادرات تعزيز دور وسائل التنقل الصغيرة مع الأهداف المميزة لكل مدينة مع مراعاة ما يلي:
1. الرؤية الشاملة: تبدأ رحلة تنفيذ أنظمة التنقل الخفيف بنجاح داخل المملكة عبر تبني نهج شامل للتخطيط.
2. دمج التنقل الخفيف ضمن الأنظمة متعددة الوسائل: عادة ما تستخدم وسائل التنقل الصغيرة في رحلات الميل الأول والأخير؛ مما يتيح إمكانية التكامل بينها وبين أنماط النقل الأخرى ضمن نظام متعدد الوسائل.
3. رحلة العميل: ينبغي تصميم تجربة التنقل الخفيف خصيصًا لمواكبة احتياجات المستخدمين أثناء الرحلات اليومية وجولات الاستكشاف الترفيهية. ومما لا شك فيه أن تلبية احتياجات النقل المتنوعة، سيجعل وسائل النقل الخفيف الخيار الأمثل سواء في الرحلات المتجهة من نقطة إلى أخرى؛ على سبيل المثال توجه الأفراد إلى العمل، أو الرحلات الدائرية الترفيهية، بما في ذلك تجول الزوار واستكشاف منطقة ما بواسطة الدراجة.
4. الموازنة بين التوافر والتكاليف التشغيلية: إن استخدام الجمهور لنظام النقل الخفيف مرهون بموثوقيته ومدى توافر وسائل المواصلات المناسبة عند الحاجة. في الوقت نفسه، يتطلب إتاحةَ المزيد من الدراجات أو الزلاجات، ضخُّ المزيد من الاستثمارات؛ مما يضيف المزيد من العوامل التي يجب مراعاتها لتحقيق التوازن المطلوب؛ إذ يجب اعتماد حلول مرنة قابلة للتطوير، للتكيف بشكل جيد مع تقلبات الطلب.
5. معقولية التسعير: تعني دمقرطة خدمات النقل أن تصبح وسائل المواصلات متاحة بأسعار مناسبة في متناول الجميع؛ إذ ينبغي توفير حلول التنقل الخفيف ميسورة التكلفة لقطاعات ديموغرافية متنوعة؛ بما في ذلك العاملون بنظام المناوبة، لإتاحة المزيد من الخيارات وتحقيق المساواة في وسائل النقل.
6. البنية التحتية التشغيلية: يُعَد تشغيل وإدارة أنظمة التنقل الخفيف عملية معقدة، تشمل صيانة الدراجات ومحطات الإرساء، وجمع الإيرادات، ودعم العملاء وغيرها الكثير. بالإضافة إلى ذلك فإن الموازنة بين التميز التشغيلي وكفاءة التكلفة يعتبر أمرًا ضروريًّا لضمان استمرارية المشروع ونجاحه.
7. التكيف مع الظروف البيئية: كما هو الحال مع جميع أنماط النقل، ينبغي تصميم وسائل التنقل الصغيرة خصيصًا بما يتناسب مع الظروف المناخية والجغرافية الخاصة بالمملكة.
8. السلامة والاعتماد: إن تصميم نظام آمن ومدروس بعناية فائقة لوسائل التنقل الصغيرة؛ سيؤدي إلى زيادة الإقبال عليها من خلال زيادة ثقة المستخدم. لذا يتوجب تصميم البنية التحتية، بما في ذلك مسارات الدراجات، مع وضع سلامة المستخدم باعتبارها أولوية قصوى؛ فيما ستساهم حملات السلامة الاستباقية والتواصل المجتمعي في تعزيز مستويات الثقة.
9. التكنولوجيا: تعد الاستفادة من قوة التكنولوجيا أمرًا لا غنى عنه لنجاح أنظمة النقل الخفيف؛ إذ يجب تنسيق الواجهات الرقمية، بما في ذلك التطبيقات سهلة الاستخدام لتخطيط الطرق، وتتبع المركبات، وجمع المعلومات ومعالجتها في الوقت الفعلي، اتساقًا مع العناصر المادية لنظام التنقل، لتقديم تجربة سلسة للمستخدمين.
10. استكشاف الأخطاء وإصلاحها لتعزيز تجربة العملاء: يجب دراسة جميع السيناريوهات المحتملة التي قد يواجهها العميل، أو حتى يتسبب فيها بنفسه. على سبيل المثال: ما هي التدابير الأمنية التي سيتم اتخاذها لحماية الدراجات من التخريب والسرقة؟ ما هو نوع النظام الذي سيتم استخدامه لجمع الدراجات وتخزينها وشحنها؟ كيف يمكن إلزام المستخدمين بإعادة الدراجات بشكل منظم لمنع الفوضى في مناطق المشاة؟ أين ستتم الإصلاحات؟ يجب على المشغل الجيد مراعاة كل هذه التحديات وأكثر ليضع حلولًا لها مقدمًا، مع مشاركة الإجراءات والتعليمات الواضحة، لتوفير الشفافية اللازمة لكل من الجمهور وفريق العمليات.
إن تنفيذ أنظمة التنقل الخفيف في المدن السعودية العملاقة لا يقتصر فقط على إيجاد خيارات أخرى للتنقل، وإنما يتعلق بإعادة تصور وسائل التنقل لابتكار أنظمة فعالة ترتقي بنمط الحياة وتساهم في تحقيق أهداف المملكة المرجوة نحو الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر. ولكن بجانب العديد من الفوائد البيئية التي تتميز بها هذه الوسائل، يجب أيضًا أن تتمتع بميزانية مستدامة؛ مما يضمن قدرة المستخدم على الشراء، بالإضافة إلى القدرة على استمرار التشغيل.
ومن المؤكد أن الشراكات البناءة والتعاون مع القطاع الخاص عبر هذه المبادرات، سيثمر في تمكن الحكومة السعودية من أخذ ثروتها من المعرفة والموارد، والخبرة من أنظمة التنقل الخفيف عالميًّا ونقلها إلى المملكة. وتعد شركة سيركو إحدى الشركات التي تعاقدت معها شركة "البحر الأحمر الدولية" العام الماضي للعمل كوكيل إداري لمجموعة كاملة من خدمات التنقل المستدام عبر مشروع "البحر الأحمر".
على الصعيد العالمي، تعد شركة سيركو مشغلًا رائدًا لوسائل التنقل الصغيرة؛ إذ تدير العديد من مشاريع النقل الخفيف في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بما في ذلك شبكة استئجار الدراجات واسعة النطاق "لندن سايكل هاير" التي حققت نجاحًا هائلًا في لندن منذ عام 2010. وحتى الآن ساهمت مشروعات التنقل الخفيف التي تديرها سيركو في قطع 25 مليون كيلومتر على مدار أكثر من 11 مليون رحلة؛ مما أدى إلى تخفيض أكثر من 70 طنًّا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
علاوة على ذلك، تعاونت سيركو مع هيئة النقل في لندن في أكتوبر 2022 لطرح الدفعة الأولى من الدراجات الكهربائية التي شملت 500 دراجة ضمن مشروع الدراجات التابع لها في لندن، محققة أكثر من 600 ألف عملية استئجار خلال العام الأول.