يقول يوغي بيرا: "إذا كنتَ لا تعرف إلى أين أنت ذاهب؛ فسوف ينتهي بك الأمر في مكان آخر". الخطة الاستراتيجية الشخصية هي خريطة طريق واضحة لتحقيق أهدافك، وتحديد ما هي الأولويات القادمة التي هي أكثر أهمية بالنسبة لك. وهي البوصلة الخاصة بك، التي عادة ما تكون وثيقة من صفحة واحدة. ستصبح هذه الوثيقة بمنزلة خطة العمل الخاصة بك لفترة زمنية محددة. أقترح أن تكون لمدة عام أو عامين أو ثلاثة كأقصى حد، ومراجعتها وتحديثها مرة واحدة في السنة.
إن التخطيط الاستراتيجي الشخصي لا يختلف كثيرًا عن التخطيط الاستراتيجي المؤسسي. وتكمن أهميته في كونه ممارسة مستمرة للقيادة الذاتية؛ فإذا كنت تستطيع قيادة نفسك يمكنك قيادة الآخرين، والتأكد من أن تأثيرك يستمر في غيابك؛ لذلك سألخص أهم الخطوات التي أتبعها في بناء الخطة الاستراتيجية الشخصية، التي أثبتت فائدتها -بتوفيق الله- على أمل أن تلهمك أثناء رسم خارطة حياتك.
الخطوة 1: حلل وضعك الحالي، وتعرَّف على ذاتك
كلما تعرفت على ذاتك وفهمتها تيسَّر وضع الأهداف المناسبة لك. وفقًا لذلك، يجب أن تشمل الاستراتيجية تحليل وضعك الحاضر بالأدوات، منها أداة التحليل الرباعي (SWOT)، إضافة إلى تحديد شكل مستقبلك من خلال الأهداف. وعليه، فإنك تستطيع أن تعرف نفسك من خلال الاحتراف في إجراء تحليل (SWOT) ، الذي يشمل المنظور الداخلي (ما هي نقاط قوتك، وما هي نقاط ضعفك؟)، والمنظور الخارجي (ما هي الفرص المتاحة أمامك، وما هي التحديات والمخاطر المحيطة بك؟). بنهاية التحليل ستتكون لديك قائمة من العصف الذهني للجوانب الأربعة، التي ينبغي ترتيبها وفقًا لأهميتها؛ حتى تساعدك في وضع تصوُّر صحيح لأهدافك الاستراتيجية لاحقًا. وفي حال واجهتَ صعوبة في إجراء هذا التحليل يمكنك الاستعانة بالاختبارات والمقاييس الشخصية العلمية، مثل: مقياس هيرمان (بوصلة التفكير)، أو مقياس مايرز بريغز (MPTI).
الخطوة 2: اكتب قِيَمك الشخصية
القِيَم الشخصية هي أكثر ما نهتم به في الحياة، ويتم تمثيلها بكلمات تخاطب قلوبنا بصدق. وحتى تضمن أن خطتك التي تقوم ببنائها هي الخطة الصحيحة لتحقيق ما هو أكثر أهمية بالنسبة لك، والمواءمة لأولوياتك؛ قم بتحديد أهم (5) قِيَم أساسية شخصية لك. فالأشخاص الناجحون يستغرقون الوقت الكافي للتفكير، والتأكد من أن قيمهم الشخصية الأساسية تتماشى مع مسار حياتهم. على سبيل المثال للقيم: (الروحانيات، الأمان المالي، المعرفة، الصحة والعائلة).
الخطوة 3: حدِّد جوانب التركيز الاستراتيجية الثلاثة
من الممكن أنك طبَّقت نموذج عجلة الحياة سابقًا، الذي يتكون من 8 جوانب: (الروحي، العقلي، الجسدي، النفسي، المالي، المهني، الاجتماعي والأسري). يمكنك دمج جانبين أو ثلاثة في جانب واحد، مثال: (الروحي والنفسي والصحي، العلمي والمهني والمالي، الأسري والاجتماعي). يتم من خلال هذه العجلة تقييم الحياة الخاصة بك من جميع هذه الجوانب لتحديد المستوى الحالي؛ إذ يمثل الصفر نقطة البداية في مركز العجلة (أدنى مستوى من الرضا)، بينما أعلى مستوى (10).
بعد ذلك فكِّر في كل جانب من جوانب حياتك حتى تحدد مدى التوازن فيها. قد يكون هناك مجال واحد أو أكثر تم إهماله، أو أنه غير متوازن مع جوانب أخرى، أو لم تعطه الوقت المستحق. ضع علامة بجوار الجوانب المهمة من جوانب حياتك، التي ترغب في التركيز بشكل أكبر عليها، وتحقيق المزيد من التوازن فيها. فكِّر فيما هو الأكثر أهمية بالنسبة لك الآن، وما أكثر جانب تود التركيز عليه خلال سنوات خطتك الاستراتيجية. على سبيل المثال: ربما تسير حياتك الروحية والاجتماعية على ما يرام؛ لذا في العام الحالي قد ترغب في التركيز بشكل أكبر على الجانب المالي والصحي.
أخيرًا، اختر ثلاثة من جوانب حياتك التي تريد التركيز عليها في سنوات خطتك الاستراتيجية؛ ستصبح هذه جوانب تركيزك الاستراتيجية في خطتك الشخصية. على سبيل المثال: (الاستقلال والحرية المالية، الصحة واللياقة، التطوير المهني).
الخطوة 4: اكتب رسالتك
الرسالة هي هويتك وسبب وجودك؛ فهي تصف ما الأثر الذي تريد إحداثه؛ لذا اجعلها مكتوبة بطريقة إيجابية وعملية. أمثلة على ذلك: إرضاء الله بإسعاد نفسي ومساعدة الآخرين، نشر الخير، النمو باستمرار ومساعدة الآخرين على النمو من خلال تعليمهم وتشجيعهم... إلخ.
الخطوة 5: اكتب رؤيتك
الرؤية هي التحدي الذي تطمح لتحقيقه على المدى الطويل، وهي تجسد ما ستبدو عليه حياتك المستقبلية. تساعدك هذه الخطوة على التواصل مع رؤيتك للمستقبل، وكتابتها تخلق إحساسًا أكبر بالالتزام برسالتك الشخصية؛ لذا اجعلها موجزة بخمس كلمات، أو سطر كأقصى حد. مثال: الحرية المالية المتدفقة في سن مبكرة.
الخطوة 6: حدِّد أهدافك الاستراتيجية
حدِّد هدفًا واحدًا أو أكثر لكل جانب من جوانب التركيز الثلاثة السابق تحديدها في الخطوة (3). مثال: الجانب المالي. قد يكون أحد الأهداف الاستراتيجية: الوصول إلى الحرية المالية في سن مبكرة. وحتى تحقق هذا الهدف طويل المدى لا بد أن تحوِّله إلى أهداف ذكية؛ فتكتب هدفًا واحدًا أو أكثر من الأهداف الفرعية الواقعية، والقابلة للقياس، والمحددة زمنيًّا. على سبيل المثال، الهدف 1: إغلاق القروض والديون خلال العام الأول. الهدف 2: ادخار 10 % من الراتب شهريًّا. الهدف 3: استثمار 10 % من الراتب شهريًّا.. وهكذا يمكنك تطبيق هذه الخطوة على الجانبَيْن الثاني والثالث، مع أهمية التركيز على ثلاثة جوانب فقط حتى تكون خطتك واقعية وقابلة للتنفيذ.
الخطوة 7: ارسم خارطتك الاستراتيجية بصفحة واحدة، وعلِّقها أمامك حيث رؤيتها
ضع جميع الخطوات السابقة في صفحة واحدة من خلال رسم قالب خاص بك، ثم قم بطباعته، وعلِّقه في مكان بارز أمامك. الآن تستطيع أن تحدد وقتًا آخر مع نفسك لإنشاء خطة تنفيذية، تسقط فيها أهدافك على الـ (12) شهرًا؛ فتوجهك نحو الاقتراب من أهدافك الموضحة في خطتك الاستراتيجية طويلة المدى. تتطلب هذه الخطوة وجود مفكرة، أو إنشاء القالب الخاص بك.
أخيرًا: تذكَّر أن التخطيط الاستراتيجي الشخصي سيجعلك استباقيًّا في الوصول إلى أهدافك، ولكن ضع في الاعتبار أن "الفشل في التخطيط تخطيط للفشل"؛ لذلك كن واقعيًّا، مرنًا أثناء التخطيط، بما يتوافق مع إمكانياتك وقدراتك؛ حتى تحقق التوازن في جميع جوانب حياتك.