حادثة احتجاز طفل داخل حافلة النقل المدرسي بمحافظة حفر الباطن، أعادت إلى الأذهان حوادث مشابهة لأطفال أوشكوا على الهلاك، فيما بعضهم توفي نتيجة إهمال سائقي حافلات المدارس.
"سبق" تسلط الضوء على أسباب الوقوع في مثل هذه الحوادث، وأهم وسائل معالجتها، والإجراءات السابقة التي صدرت حيالها إضافة إلى آراء التربويين والمختصين حول تلك الحوادث.
شدد المعلم فهد بن عبدالعزيز على ضرورة توفير مشرفة لكل حافلة تنقل الصفوف الأولية، ومشرف في بقية صفوف المرحلة الابتدائية، لأجل رعايتهم والإشراف على ركوبهم للحافلة، وخلال جلوسهم في مقاعد الحافلة وهي تسير في طريقها للمدرسة، وكذا أثناء نزولهم للمدرسة ودخولهم فيها، إضافة إلى رجوعهم من المدرسة إلى المنزل.
وتابع: "المطالبة بإيجاد مشرف أو مشرفة في كل حافلة ليس فقط لأجل الإشراف على ركوبهم ونزولهم، بل من أجل المحافظة على صحة الطلاب النفسية وإبعاد الخوف والقلق من نفوسهم".
وأكمل: "ولنا أن نتساءل عن نفسية الطالب أو الطالبة الذي لا يتجاوز عمره ٦ سنوات، عندما يفارق منزله وولديه، ليركب في حافلة كبيرة، ويجلس على مقاعد غير مهيئة للصغار، وقد لا يستطيع أن يتحكم في ثباته وجلوسه عليها خلال سير الحافلة وانحرافها يمينًا وشمالاً، دون وجود والديه بجواره، أو وجود مشرف يخفف عنه الخوف والقلق، ويساعده في التغلب على المصاعب التي تواجهه في رحلته للمدرسة.
أكد عبدالرحمن المقحم (ولي أمر) أن أسباب تكرار حوادث نسيان الطلاب في حافلات النقل المدرسي يعود لأمور أهمها عدم وجود مشرف أو مشرفة داخل الحافلة مع الطلاب، وعدم اهتمام سائق الباص بتفقد الطلاب أثناء نزولهم من الحافلة، وكذا تفقد الحافلة بعد نزول الطلاب.
وقال : من الأسباب إهمال منسوبي المدرسة سواء المدير أو المراقب أو المشرف على حضور وغياب الطلاب من التواصل المبكر مع ولي الأمر في الصباح الباكر عند تغيب الطالب.
وتابع المقحم قائلاً: أناشد ضرورة إيجاد مشرف للأمن والسلامة في حافلات نقل الطلاب من أجل الحفاظ على سلامة الطلاب والطالبات، وهو الأمر الذي تغفله بعض المدارس ومتعهدي تقديم خدمات النقل المدرسي وبالتالي ينتج عنه تكرار حوادث السلامة.
وأضاف "يجب على متعهدي النقل توعية سائق الحافلات بضرورة المتابعة اليومية لنزول الطلاب، وتفقد الحافلة بعد نزول الطلاب منها بشكل يومي، كما يجب على إدارات المدارس والمسؤولين عن حضور الطلاب التواصل اليومي وفي وقت الصباح الباكر مع أولياء أمور الطلاب المتغيبين فورًا، لتلافي أي نسيان أحد الطلاب في حافلة النقل وتعرضه إلى الخطر".
وأكمل "قبل 8 سنوات، عندما وقعت وفيات مأساوية في حافلات النقل المدرسي، أكدت وزارة التعليم تطبيق أعلى معايير النقل المعتمدة في النقل المدرسي، ووجهت في أعوام ماضية مديري إدارات "تعليم مناطق المملكة" بتعميم عاجل ومهم بتطبيق سائر الاشتراطات ؛ حرصًا على سلامة الطلاب والطالبات، ونحن نناشد بضرورة إلزام المسؤولين عن النقل المدرسي، ومنسوبي المدارس بتلك الاشتراطات".
وحول تأثير نسيان الطفل في حافلات النقل وتأثيرها النفسي على الطفل يقول الاستشاري النفسي وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور عبدالله عبدالعزيز المناحي لـ "سبق": نسيان الطفل في الباص هو تجربة مرعبة لها تأثيرات نفسية شديدة على الطفل. يمكن أن تترك هذه التجربة آثارًا نفسية طويلة الأمد تختلف في حدتها بناءً على المدة التي بقي فيها الطفل وحيدًا داخل الباص، وعمره، والخلفية النفسية.
ويضيف "فالطفل عندما يكون بمفرده في الباص سوف يصاب بالخوف الشديد والعزلة بسبب كونه وحيدًا في بيئة مغلقة وغير مألوفة. وهذه الصدمة النفسية قد تجعل الطفل يُصاب بالانطواء وينعزل اجتماعيًا ويصاب بالخوف من الخروج من المنزل".
ويتابع: "كما أن بعض حالات نسيان الطفل في الباص وخصوصًا عندما تطول المدة ولا يجد الرعاية النفسية قد تتسبب له بأمراض نفسية مثل نوبات الهلع، الكوابيس، وصعوبات في النوم، وحتى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)".
قال أستاذ أصول التربية بجامعة شقراء الدكتور يوسف بن محمد الهويش : من الأسباب التي تصيب الطفل بالتوتر والخوف والهلع تركه في مكان مغلق وحده، ومن ذلك نسيانه داخل المركبة أو حافلة نقل ، والخوف والهلع لهما آثار سلبية على تحصيل الطالب الدراسي؛ إذ تولد لدى الطفل التوتر المزمن الذي يؤثر على شخصية الطالب وأحيانًا على عقليته ومستواه التعليمي، ولاسيما تحصيله الدراسي".
وأضاف "الشخص عندما يشعر بالتوتر والارتباك تتأثر قدراته وتنعكس على تركيزه وتفكيره، وقد تتطور حالته إلى أن يتجنب رؤية الأصدقاء والعائلة وعدم الرغبة في الذهاب للمدرسة، وقد يمتد الموضوع إلى أبعد من ذلك ويؤثر بطريقة سلبية على الحالة المزاجية ويؤدي إلى اضطرابات في النوم والأكل، وهذا كله بلا شك يؤثر على حياة الشخص ومزاجيته ودافعيته نحو التعلم".
وتابع "فالخوف والتوتر لهما تأثيرات قوية على مهارات التفكير، وعلى القدرات المعرفية، والقدرة على حل المشكلات والسيطرة على العواطف والقدرة على التركيز والانتباه، وهي ضرورية بلا شك للنجاح الدراسي وقابلية التعلم".
كانت وزارة التعليم وجهت في أعوام ماضية مديري إدارات تعليم مناطق المملكة بتعميم عاجل ومهم بتطبيق أعلى معايير واشتراطات النقل المدرسي المعتمدة؛ حرصًا على سلامة الطلاب والطالبات، وذلك عندما كان النقل المدرسي تحت إدارتها مباشرة.
ونشرت "سبق" تلك الضوابط والتعليمات بتاريخ 20 إبريل 2016 م ، حيث ذكر التقرير أن وزارة التعليم حرصت على توفير الأمن المتكامل للطلاب والطالبات؛ حفاظًا على سلامتهم؛ وذلك نظرًا لتكرار حوادث الوفيات في حافلات النقل المدرسي، وأكدت الوزارة تطبيق أعلى معايير واشتراطات النقل المعتمدة من النقل المدرسي، ومن منطلق مسؤوليتها طالبت بتطبيق ما يلي:
١- إلزام شركات النقل العامة والخاصة بتوفير مشرف/ مشرفة في كل حافلة مدرسية.
٢- إلزام شركات النقل العامة والخاصة بتوفير متطلبات السلامة داخل الحافلات المدرسية.
٣- التأكد من أهلية سائقي الحافلات النظامية من حيث نظامية الإقامة ورخص القيادة المؤهلة لقيادة الحافلة.
٤- أن يقوم سائق الحافلة بجولة تفقدية داخل الحافلة بعد توصيل الطلاب أو الطالبات من وإلى المدرسة قبل إيقافها في المكان المعد للوقوف، ومن ثم يقوم سائق الحافلة بوضع لوحة تحمل (الحافلة خالية من الطلاب أو الطالبات)؛ للتأكد من خلو الحافلة.
٥- التشديد على إدارة المدرسة بمتابعة المشرف/ المشرفة على الحافلة بالتزامهم بالجولة التفقدية.
٦- تتحمل شركة ومتعهد النقل مسؤولية أي حوادث تقع أثناء نقل الطلاب والطالبات لمدارسهم وأثناء عودتهم لمنازلهم.
٧- إن المدارس الأهلية في حال وقوع حوادث وفيات في النقل المدرسي الخاص بها سوف تتعرض إلى عقوبات رادعة.
٨- تقوم المدارس المدرجة في النقل المدرسي والمدارس الأهلية بإعداد برامج تأهيلية وتوعوية للطلاب عن السلامة في النقل المدرسي، وكذلك تأهيل وتدريب السائقين.
٩- تقوم إدارات التعليم في المناطق والمحافظات بعقد لقاء مع شركات النقل وتؤكد من خلاله أهمية المحافظة على الأرواح البشرية وتطبيق أعلى معايير واشتراطات السلامة في جميع الحافلات المدرسية.
١٠- عقد لقاء عاجل مع قيادات المدارس للتشديد على أهمية الالتزام بقواعد الأمن والسلامة في المدارس ووسائل النقل.
واختتمت الوزارة التعميم بضرورة إيلاء الموضوع جل اهتمام مديري إدارات التعليم ومتابعتهم الشخصية واتخاذ الإجراءات النظامية بحق من يخالف ذلك.
ضافة إلى أضرار نسيان الطلاب والطالبات في الحافلات، النفسية والصحية والجسدية على الطفل وأهله، فإن إهمال الطفل وعدم متابعته من قِبل المسؤول عن النقل، ومنسوبي المدرسة قد يؤدي به للوفاة ومفارقة الحياة، والواقع يشهد بذلك.
وللتشديد على خطورة القضية، نستعرض قصصًا واقعية حصلت خلال السنوات الماضية لوقائع مأساوية كان نتيجها مصرع عددٍ من الأطفال.
فقبل أقل من سنتين وبالتحديد في 09 أكتوبر 2022 نشرت "سبق" عن وفاة طفل يبلغ من العمر 5 سنوات، اختناقًا بعد نسيانه في حافلة خاصة مستأجرة في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية من قِبل سائق الحافلة.
وفي 13 أكتوبر 2015 نُشر عن وفاة طفل من جنسية عربية، في الخامسة من عمره، في حافلة للنقل المدرسي تتبع مدرسة عالمية في جدة تعاقدت مع مؤسسة نقل خاصة.
ونشرت "سبق" في ٣ أكتوبر ٢٠١٦ عن حادثة أخرى بعنوان "شرطة جدة تحقق في وفاة الطفل "نواف".. وإيقاف سائق الحافلة"، مبيّنة مصرع الطفل نواف السلمي البالغ من العمر ثماني سنوات اختناقًا داخل باص المدرسة بعد أن تم إغلاق الأبواب عليه لأكثر من ست ساعات، من قِبل سائق الباص من إحدى الجنسيات العربية بعد وصولهم إلى المدرسة صباح اليوم.
كما ذكر التقرير - حينها - أن هذه الحادثة تعد الثالثة من نوعها بمحافظة جدة، كان أولها مصرع طالب لم يتجاوز السابعة من عمره، بعد تركه بداخل حافلة مدرسية كانت قد نقلته من منزله للمدرسة الخاصة التي يدرس بها في حي النزلة بمحافظة جدة، وإغلاق الأبواب عليه لأكثر من ست ساعات، والحادثة الثانية هي لطفل يبلغ من العمر خمس سنوات لقي حتفه اختناقًا داخل باص المدرسة بعد أن نسيه سائق الباص نائمًا بعد وصولهم إلى المدرسة.