يُعتبر قرار مجلس الوزراء السعودي، الذي أصدره اليوم بالموافقة على السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية، وكذلك الموافقة على هيئة تنظيم الرقابة النووية والإشعاعية، خطوة كبيرة في انتقال السعودية إلى عالم الطاقة المتجددة السلمي بكل ما يعد به من مستقبل عظيم للطاقة وللبشرية بشكل عام.
القرار وافق على ما ضمته السياسة الوطنية من حصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية على الأغراض السلمية في حدود الأطر والحقوق التي حددتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، والالتزام التام بمبدأ الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية، وتحقيق معايير الأمان النووي والأمن النووي في المرافق النووية والإشعاعية، وفق إطار تنظيمي ورقابي مستقل، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية من الخامات النووية، وكذلك تطبيق أفضل المعايير والممارسات العالمية لإدارة النفايات المشعة، مع تحقيق الاستدامة بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية.
رقابة وطموح مشروع
كما وافق مجلس الوزراء على تنظيم هيئة الرقابة النووية والإشعاعية. وقد أحال مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى مشروعَي (نظام المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية، ونظام الرقابة على الاستخدامات النووية والإشعاعية)؛ لدراستهما وفقًا للإجراءات النظامية المتبعة.
من الجوانب المشجعة أيضًا ما سبق أن أعلنته «موديز انفستورز سيرفيس» من تسليط الضوء على سوق الطاقة المتجددة في السعودية؛ باعتبارها فرصة نمو رئيسية؛ إذ تجتمع "مواردها الشمسية الوفيرة، وتوافر الأراضي، والائتمان السيادي المصنف بدرجة؛ لتجعل السعودية في مكانة رائدة عالميًّا في مجال توليد الكهرباء المتجددة".
استراتيجية وطنية
يُذكر أن استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة التي تتضمنها رؤية السعودية (2030م) تركز على التزام السعودية بمنح الأجيال القادمة مستقبلاً أفضل، يعتمد على الطاقة النظيفة.
وسبق أن أعلنت السعودية أهدافًا لها ضمن رؤيتها، تتمثل في توليد 3.45 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، و9.5 جيجاواط بحلول عام 2023، و54 جيجاواط بحلول عام 2040 (41 جيجاواط من الطاقة الشمسية، 9 جيجاواط من طاقة الرياح، 3 جيجاواط من تحويل النفايات إلى طاقة و1 جيجاواط من الطاقة الأرضية الحرارية). وقد أنشأت أيضًا مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة (REPDO) التابع لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، الذي يهدف إلى ضمان نمو الطاقة المتجددة، بما يتوافق مع الأهداف المنصوص عليها في (رؤية 2030م).
وفي الوقت نفسه، فإن برنامج التحول الوطني (NTP) يُعتبر جزءًا أساسيًّا من خطة إعداد السعودية لعصر ما بعد النفط. وتشمل أهدافه ضمان توليد 4 في المئة من إجمالي استخدام الطاقة في المملكة العربية السعودية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، وتوفير ما يقرب من 7800 وظيفة في قطاعات الطاقة الذرية والمتجددة في إطار الجدول الزمني نفسه.
مجالات سلمية
هذه الطاقة الهائلة تُعتبر اليوم أحد أهم الحلول البديلة عن النفط والغاز، كما يعول عليها لتكون طاقة المستقبل بلا منازع، خاصة مع وضع الرقابة المناسبة، ورفع أسباب السلامة إلى أعلى درجة ممكنة.
وتبرز أهم مجالاتها السلمية في إنتاج الطاقة الكهربائية.. وهي حاليًا تزود دول العالم بأكثر من 18 % من الطاقة الكهربائية؛ فهي تمد 35 % من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. واليابان تحصل على 30 % من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية.
ثورة طبية وزراعية
وكذلك في مجالات الطب النووي والصيدلة تعد بفتوحات طبية كبيرة، إضافة للكثير من نجاحاتها حاليًا في علاج الأورام، وتوفير النظائر المشعة. كما أصبح ممكنًا بصورة دقيقة التعرف على تأثير الدواء ومساره وتحولاته داخل جسم الإنسان أو النبات. وكان من أعظم النجاحات لاستخدام تلك المركبات الموسومة هو تفهم آلية عمليات التمثيل الغذائي، سواء في الإنسان أو النبات.
وفي مجال الزراعة وإنتاج الغذاء تعد بثورة في مجال الزراعة، وإحداث طفرات في مجال تحسين المحاصيل الزراعية بإشراف منظمة الأغذية والزراعة، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي هذا المجال تجري مدارس علمية عديدة جهودًا رصينة ومنهجية لإنتاج مختلف أنواع الطفرات لجميع أنواع المحاصيل، نذكر منها على سبيل المثال: القمح، الشعير والذرة.
تطبيقات صناعية
أما في المجال الصناعي فتستخـدم المصادر والمواد المشعة على نطاق واسع في التطبيقات الصناعية على المستوى العالمي لإجراء العمليات الصناعية، أو ضبط جودة المنتجات، وذلك من خلال استخدام المعامل والماكينات التي تعتمد في تشغيلها على نظم الضبط الإشعاعية.
وفي صناعة النفط مثلاً تستخدم النظائر المشعة لتحديد سرعة تدفق النفط عبر الأنابيب، وفي صناعة الرقائق تستخدم المصادر المشعة في ضبط سماكة الرقائق وتعديلها.