قبل أن يهل علينا هلال شهر رمضان المبارك تنهمر علينا الإعلانات التسويقية لجذب الناس إلى شراء (مقاضي رمضان)، وتتبارى الأسواق والمحال في عمل الدعايات الترويجية التي تغري الناس بشراء المزيد مما يسمونه لوازم الصيام. وعندما ننظر إلى كميات المشتريات التي يخزنها الناس قبيل رمضان يخيل إلينا - دون مبالغة - وكأننا مقبلون على مجاعة!!
إنّ شهر رمضان موسم فضيل، جعله الله تعالى للصيام والطاعة، والتزود من الطاعات وأعمال البر والإحسان، وطلب الرحمة والمغفرة والرضوان. وقد شرع عز وجل عبادة الصيام طلبًا للتقوى، ولا مانع من الاستمتاع بالطعام الطيب في رمضان وغير رمضان ما دام ذلك بتوازن واعتدال، ودون إسراف أو تبذير!! إلا أن كثيرًا من الناس يزداد إقبالهم على الطعام والشراب في هذا الشهر أكثر من بقية الشهور لدرجة الإسراف والتبذير، ويبالغ الناس في شراء (مقاضي رمضان) بشكل عجيب!! وكأن شهر رمضان موسم سنوي للأكل والتباهي في الولائم بكثرة أصناف وألوان الطعام. والغريب في الأمر ليس هذا وحسب، بل تزايد هدر الطعام والشراب في هذا الشهر؛ إذ يؤكل القليل مما يُطهى ويعد كل يوم للمائدة الرمضانية، ويتعرض ما يتبقى - في أغلب الأحيان - للإتلاف والرمي. والمؤسف أن يحدث ذلك في الوقت الذي تعاني فيه أُسر مسلمة كثيرة في دول وأماكن أخرى من الجوع وضيق ذات اليد، ولا تجد من يعطف عليها ويسد رمقها!
والتبذير والإسراف من المعاصي والذنوب التي ذمها الله تعالى، ونهانا عنها، قال عز وجل: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا . إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وقال سبحانه: { كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا . إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. ولماذا لا يحب الله المسرفين؟! لأنهم يهدرون نعم الله تعالى، ولا يحترمونها. وقد حذرنا الله من التبذير، قال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.
والمؤسف أن الإسراف في رمضان قد أصبح ظاهرة لا تقتصر على الأغنياء فقط، أو الأسر ميسورة الحال وحسب، بل يقع في ذلك غالبية الأسر من مختلف الطبقات، غنيها وفقيرها.
إن الإسراف والتبذير في رمضان وفي غيره آفة كبيرة؛ يجب التخلص منها. وما أجمل أن يتعلم الصائمون الاقتصاد والاعتدال؛ فالغاية من الطعام والشراب هي التقوى على طاعة الله وعبادته للفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون ونسيان الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق علينا.. فعلينا أن نعالج هذه الظاهرة، وأن نعي جيدًا أن غاية الصيام هي تطهير النفس وتطهير المجتمع لتحصيل التقوى.
إن الصوم عبادة، فيها تدريب على الصبر والتحمل. ولم يشرع رمضان ليكون شهرًا لإقامة الولائم والتنافس في المتع والملذات، بل من حِكَم الصوم أن يتذكر المسلم الفقراء والمساكين، ويشعر بشعورهم. ومن هنا فحري بالصائم أن يكبح هوى نفسه، ويكفها عن التبذير والإسراف.