يحل رمضان جديد ويرحل آخر، وبين هذا وذاك ترحل أرواح نفيسة عن الحياة، تغادر دون عودة، أصحابها يستوطنون القبور، والشوق إليهم يلف صدور الأحياء، وذكراهم تخلّدها ذاكرة الزمن، ولا تمحوها رياح النسيان مهما تباعدت سنوات الفراق.
فيوم يتلو يوماً وأسبوع يتلو آخر وشهر يعقب شهراً، حتى فصلنا عن رحيل الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي مؤلف النشيد الوطني، 180 يوماً؛ حيث غادر الحياة صامتاً بعد أن ملأ الآفاق شعراً تردده القلوب قبل الألسن؛ حيث كان بلبلاً وطنياً صادحاً، يغرف من بحر العبقرية الإبداع، كيف لا وهو من نظم أبيات النشيد الوطني السعودي بماء الذهب الزلال "سارعي للمجد والعلياء".
حياته العملية
وندلف إلى تفاصيل عميقة من حياة الراحل إبراهيم خفاجي، يكشفها ابنه ثامر الذي قال لـ"سبق": إن والده -رحمه الله- تَلَقّى تعليمه بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ثم التحق بمدرسة اللاسلكي وتَخَرّج فيها مأموراً لاسلكياً عام 1364هـ، وعاش حياته متنقلاً بين مدن وقرى المملكة العربية السعودية؛ ليستقر به المقام في مكة؛ حيث عمل في قسم الأخبار بالنيابة العامة، وبعد ذلك انتقل إلى العمل الإذاعي، ثم رئيساً لقسم المحاسبة بوزارة الصحة حينذاك.
وأضاف: "التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة عام1972م، وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية؛ ليصبح بعد ذلك مديراً للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشؤون المياه بالرياض، ثم مفتشاً زراعياً بالمنطقة الغربية قبل أن يطلب عام 1389هـ إحالته للتقاعد بعد خدمة 25 عاماً".
قصة النشيد الوطني
واستغرق من "خفاجي" كتابة النشيد الوطني أكثر من ستة أشهر، وبدأت قصته -وفقاً لويكيبيديا- عندما كان الملك خالد رحمه الله في زيارة إلى جمهورية مصر؛ وبينما كان في المنصة الرئيسية عُزف السلام الملكي السعودي والمصري، وكان السلام السعودي عبارة عن موسيقى فقط أُعِــدت منذ عهـــد الملك عبدالعزيز؛ فطلب من المختصين إعداد كلمات لنشيد وطني يكون مطابقاً للموسيقى الموجودة في ذلك الوقت؛ فطلب المسؤولون من "خفاجي" أن يقوم بعمل كلمات النشيد الوطني، وسلّموه شروطاً عدة؛ فأتمه بعد ستة أشهر، وكان هذا في عهد الملك فهد رحمه الله، وقد بدأ بثه رسمياً أثناء افتتاح واختتام البث التلفزيوني والإذاعي اعتباراً من يوم الجمعة 1/ 10/ 1404هـ.
قرآن واعتكاف
أما عن حياته في رمضان؛ فقد ذكر ابنه ثامر، أن والده كان خلال شهر رمضان المبارك لا يفارق المسجد والقرآن، ويعتكف أغلب أيام الشهر، ويتذكر عندما كان يقطن هو وإخوته مع والدهم في منزل لا يفصلهم سوى 100 متر عن المسجد الحرام؛ حيث بساطة الحياة، وروحانية المكان، وتآلف القلوب.
دموع الاشتياق
ومع حلول رمضان، يستشعر ثامر حرقة فَقْد والده، الذي كان يضفي على الأسرة روح المحبة والأبوة؛ معبراً عن حزنه الشديد على فراق والده بدموع الاشتياق.
يُذكر أن الراحل إبراهيم خفاجي، قد وافته المنية، صباح يوم الجمعة السادس من ربيع الأول الماضي من العام الجاري، في مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة، عن عمر يناهز 90 عاماً؛ إثر نوبة قلبية، وشيّعه الآلاف إلى مثواه الأخير.