"واد قَوّ".. "القهيدان" يوضح تفاصيل تحديد موقعه الذي يقطع طريق الحج بين النِّبَاج وأُثَال

قال إن الباحثين اختلفوا بشأنه بين "الزغيبية" و"منخفض قُصَيباء" و"منخفض الْقَعَرْة"

أوضح تركي القهيدان مدير المتاحف والآثار في القصيم سابقًا، والمهتم في جغرافية المملكة ، أن حجاج البصرة عندما يعدلون إلى المدينة المنورة من النِّبَاج ينزلون "بطن قو" وهو أول منزل بعد النِّبَاج، وبيّن أن الإمام أبو إسحاق وصف "قو" وصفًا واضحًا حين قال"يعدلون من النِّبَاج نِّبَاج بني عامر، فيتيامنون، فيصبحون من ليليتهم ببطن قَوٍّ، وهو وادٍ يقطع الطريق، تدخله المياه ولا تخرج منه، وقد بنيّت عليه قنطرة يعْبُر الناس عليها، وليس به حفائر إلا أن يكون في البطن ماء ثم يرتحلون فيصبحون ماءً لبني عبس، يقال له أُثَالٌ، وأثال عقبة في ذلك الموضع .

وفي التفاصيل، قال "القهيدان" إن تحديد موقع "قوّ" موضوع خاضَ غمارَه عددٌ من الباحثين اختلفوا بشأنه ، فمنهم من حدده بـ (الزغيبية) ومنهم من حدد الموقع بـ "منخفض قُصَيباء" ، ومنهم من حدد الموقع بـ "منخفض الْقَعَرْة"، وسنذكر هنا آراء بعض البلدانيين والباحثين المتأخرين عن الموقع ، إذ قال الشيخ ابن بليهد -رحمه الله-"ولا أعلم شيئًا بهذه الصفة ليس بينه وبين النباج إلا مرحلة واحدة إلا أسفل وادي الرمة إذا ترك السالكُ عنيزة عن يمينه، وانعرج إلى روضة الزغيبية وهي التي تصب فيها سيول الرمة ولا تخرج".

واستبعد " القهيدان" هذا الرأي؛ وقال: إذا كانت المسافة ما بين النِّبَاج و أُوثال 61 كم ، فما هو المبرر حتى يحرفوا الطريق من الجنوب الغربي إلى الجنوب لمسافة 71.5 كم حتى يصلوا إلى الزغيبية. فلو ذهبوا مباشرة نحو أُوثال لكان أقرب لهم.

واستطرد: اللافت للنظر عليهم أن يعبروا القنطرة ثم يحرفوا اتجاههم مرة أخرى نحو الشمال الغربي، إذًا فما فائدة القنطرة، بل المثير للانتباه عليهم أن يعودوا مرة أخرى ليقطعوا مسافة 54 كم حتى يصلوا إلى أُوثال، فيكون مجموع ما تم قطعه 124.5 كم، وهذا مستحيل الحدوث، ولو افترضنا حدوث ذلك فما فائدة عدولهم من النِّبَاج نحو اليمين، والاتجاه نحو الزغيبية، لأنهم سيلتقون مرة أخرى عند قاع بَولاَن ، وبالتالي أليس الأولى يكون الانحراف من قاع بَولاَن، ومن الأقوال ما ذكره الشيخ العبودي -رحمه الله-: ورأيي أن اسم قُصَيباء القديم كان "قوَّا".

وردًا على ذلك أستبعد هذا الرأي؛ فإذا كانت المسافة ما بين النِّبَاج و أُوثال 61 كم، فما هو المبرر حتى يحرفوا الطريق من الجنوب الغربي إلى الشمال الغربي لمسافة 63.5 كم ليصلوا إلى قُصَيباء ؟ فلوا ذهبوا مباشرة نحو أُوثال لكان أقرب لهم. واللافت للنظر عليهم أن يعبروا القنطرة ثم يحرفوا اتجاههم مرة أخرى نحو الجنوب وبميل لا يذكر نحو الشرق، وعلى هذا الحال ما فائدة القنطرة، بل المثير للانتباه عليهم أن يعودوا مرة أخرى ليقطعوا مسافة 40 كم حتى يصلوا إلى أُوثال، فيكون مجموع ماتم قطعه 103.5 كم، وهذا مستحيل الحدوث.

وتابع : ما ذكره الدكتور "الوشمي" في عام 1404 هـ عن رأي العبودي في تحديد موقع "قو"، فأنا لست معه في هذه التسمية، وأقول: أتفق معه تمامًا ـ رحمه الله، لكنه هو لم يحدد لنا موقعًا بعينه، ومن الأقوال أيضًا ما ذكره الشيخ "الشايع" في عام 1414 ـ رحمه الله: رشحت للبحث عن هذه القنطرة منخفضين، أحدهما منخفض الْقَعَرْة، والآخر يقع قريبًا من الخط الواصل بين "البطين" و "بريدة" ، وأقول إنه لم يحدد لنا رحمه الله تحديدًا دقيقًا، فالخط الواصل بين "البطين" و "بريدة" يمتد لمسافة 50كم، أو نحوها، أما "الْقَعَرْة" فهي أيضًا منطقة واسعة تمتد لمسافات طويلة، والمتعارف عليها أنها تمتد من شرق شعيب أم عشر حتى شمال غرب مشرفة 7كم.

وقال " القهيدان" ، بعد تطبيق أبيات الشعر وما ورد في أمهات الكتب، على أرض الواقع وعلى الخرائط المرفقة، تبين أن ما وصف لنا الإمام أبو إسحاق: (يعدلون من النِّبَاج) أي من الطريق الرئيس، وقوله "فيتيامنون" يدل على أنهم انحرفوا جهة الجنوب الغربي، أما قوله "فيصبحون من ليلتهم ببطن قَوٍّ" فيدل على أن "قو" في منتصف المسافة، ومما يؤكد ذلك قوله في اليوم الثاني "فيصبحون ماءً لبني عبس، يقال له أُثَالٌ" ، وكذلك يدل على أن "قو" بطن؛ أي مجرى وادي، أيضًا قوله "وادٍ يقطع الطريق"، يدل على أن "قوا" على سمت الطريق، وأنه وادي وليس كما تصور البعض بأنه منخفض من الأرض، وقوله "تدخله المياه ولا تخرج منه"، يدل على أن هذا وادٍ طويل ترفده عدة شعاب، لكن زحفت عليه الرمال وقطعته كما قطعت وادي الرمة ، فأصبحت المياه تدخل ولا تخرج ، وأما قوله "بنيت عليه قنطرة"، يدل على أن بطن "قو" به طين يمسك الماء، وأن لها طولاً يحتم بناء قنطرة ليعْبُر الناس عليها ، وقوله "ليس به حفائر إلا أن يكون في البطن ماء" ، يدل على أنه قاع به طين يمسك الماء ، وهذا الصفات جيولوجيًا تنطبق على "طفلة سدير" ، وبعد البحث الميداني وتتبع الطريق والذي دام أربعة عقود لصعوبة تحديد المعالم بسبب الحواجز الحديدية للمزارع واختفاء أعلام الطريق بسبب التوسع بالزراعة ، ومع ذلك كله توصلت إلى تحقيق الموقع وتطبيق الأوصاف على واقع الأرض، وتبين لي أن منزل "قو" في الزمن القديم هو "المختفي في عباءة مزرعة"، وهو ما يعرف اليوم باسم "قَاع القُصَيْر" بطول يزيد على 10 كم، وهو أول ظهور لـ"طفلة سدير" التي تمسك الماء للقادم من النِّبَاج.

وأضاف " القهيدان" اللافت للنظر لم يكتب عنه الشيخ "العبودي" ولا حرفًا واحدًا، وكذلك لم أجد من الباحثين من تطرق إليه ولو بشكل عابر بحسب المصادر المتوافرة لديَّ ، وهو يقع شمال بُرَيْدَة نصًا ويبعد عن جامع خادم الحرمين الشريفين في وسط المدينة 38 كم، تحديدًا إلى الشمال من الطريق القديم المنطلق من "الطُّرْفِيَّة" نحو "العَين" عند انحراف الطريق بزاوية حادة، ويحده من الجهة الغربية: "ظَهرة مَنَاقع الخُبَّاز"، كما ترفده عدة شعاب ولا تخرج منه، من أهمها مرتبة من الشمال للجنوب (شعيب أبو عَزَامير الشمالي-شعيب أبو عَزَامير الجنوبي-شعيب أبا طَلْح الشمالي-شعيب أبا طَلْح الأوسط-شعيب أبا طَلْح الأوسط). أما من الجهة الشرقية فيحد القاع: "نفود الحِرْدُوب"و "مَنَاقع الخُبَّاز" .

وأوضح : يمر طريق الحاج البصرة ـ المدينة ، حسب قياساتي في وسط القاع تحديدًا في الجهة الجنوبية من "مَنَاقع الخُبَّاز" "ظَهرة مَنَاقع الخُبَّاز"، وموقع "القنطرة" عند التقاء خط الطول 39ْ.59َ مع دائرة عرض 26ْ.40َ ، وأهالي المنطقة يطلقون على كل موقع لا يعرفونه" منازل بني هلال". أو "القُصَيْر" تصغير قَصر.

وأردف: على سبيل المثال "العَوْسَجَة" الواقعة جنوب شرق "قَاع القُصَيْر"34 كم، يطلقون عليها سكان الرُّبَيْعِيَّة الواقعة جنوب العَوْسَجَة (بميل نحو الشرق) على بعد 6.7كم. اسم: (القُصَيْر).وقد ذكرت ذلك في كتابي القصيم آثار وحضارة في المجلد الأول، إذ تسمى خصوصًا عند أهل المنطقة القريبة منها بـ"القُصَيْر"، وهو تصغير لكلمة قصر ص179 ، ولعل هذا الاسم دليل دامغ يؤكد أثرية الموقع ، ومع تطبيق النصوص في أمهات الكتب وأبيات الشعر سنجد أن تنطبق على هذا الموقع. ومنها على سبيل المثال قول البكري "أن قوَّا بين النِّبَاج وعَوْسَجَة"، وهذا الوصف ينطبق عليها، فـ"العَوْسَجَة" تقع جنوب شرق قو 34 كم ، والنِّبَاج شمال شرق قو 28 كم ، واستشهد بشعر الْحُطَيْئَة، وعَنْتَرَة وهما من عَبْس وأُثَالٌ من بلاد عَبْس.

وتابع : قول ياقوت "الصَّرِيفُ" موضع من النِّباجِ على عَشْرَةِ أَميال"، وهذا القياس مطابق لواقع الأرض، وأما قوله "النباج بين قوّ والصريف" ، فهذا مطابق لواقع الأرض، فالنِّبَاج شمال شرق قو 28كم، والصَّرِيفُ تقع جنوب شرق قو 26 كم. فهو استشهد بشعر جَرِير وهو من تميم ، افلصَّرِيفُ والعَوْسَجَة هما لبَنِي أُسَّيْد ، فمن هذا التحقيق، نخرج مما ذكرته آنفاً بأن ما حققت بأن "قوَّا" في الزمن القديم ما هو إلاَّ "قَاع القُصَيْر" في الوقت الحالي، والواقع شمال "الطُّرْفِيَّة" بالقَصِيْم ويبعد عنها 14 كم ، وليس لديَّ أدنى شك في ذلك ، والذي يظهر لي أن الموقع تم طمره مع مرور الوقت عن طريق نحت الشعاب من "طفلة سدير" وإرسابها في القاع، وحيث إن الموقع الأثري يقع داخل مزرعة؛ نقترح مسحها بجهاز GPR أيضًا هناك موجات كهربائية MASW تقنية ERT تصل إلى عمق عمقه 60 م تحت سطح الأرض، فإن ثبت وجود قنطرة أو منشآت منزل "قو" ، بذلك نوجه رسالة إلى الجهات المتخصصة في هذا المجال للاستفادة من الموقع التاريخي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org