التحالف السعودي الباكستاني.. من تاريخ الأخوة إلى شراكة استراتيجية راسخة
على مدار أكثر من سبعين عامًا، نجحت المملكة وجمهورية باكستان الإسلامية في نسج علاقات تاريخية عميقة ارتكزت على الأخوة والثقة المتبادلة، حتى باتت اليوم تمثل نموذجًا متفردًا في التعاون الدولي.
ومع التطورات المتسارعة إقليميًا ودوليًا، ارتقى هذا التعاون إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية"، ليعكس بوضوح حرص قيادتي البلدين على تحويل العلاقات الثنائية إلى ركيزة للأمن والاستقرار والازدهار.
وجاءت اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك، الموقعة في 17 سبتمبر 2025 بين صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف، لتؤكد هذا المسار.
ونصت الاتفاقية على أن أي اعتداء خارجي على أحد الطرفين سيُعتبر اعتداءً على الطرفين معًا، كما شملت التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية، تطوير الصناعات العسكرية، وإجراء تدريبات مشتركة لتعزيز القدرات الدفاعية.
هذه الخطوة لم تكن معزولة عن السياق العام؛ فالتعاون العسكري بين البلدين ظل حاضرًا لعقود طويلة، يتجدد في اجتماعات دورية بين القيادات العسكرية، مثل اللقاءات الأخيرة التي جمعت رئيس أركان القوات البحرية السعودية مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية، والتي ناقشت قضايا الأمن البحري والدفاع الإقليمي.
ويشهد التعاون السعودي الباكستاني نموًا لافتًا، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري عام 2025 إلى 700 مليون دولار بعد أن كان 546 مليونًا فقط، كما تم رفع المستهدفات الخاصة بصادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات الباكستانية إلى المملكة إلى 100 مليون دولار.
وهو ما يعكس انفتاح البلدين على مجالات اقتصادية جديدة بجانب التجارة التقليدية والطاقة، ويبقى حجر الأساس في هذه العلاقة، إذ يعيش ويعمل ملايين الباكستانيين في المملكة، مساهمين في نهضتها التنموية، فيما ينظر الشعب الباكستاني إلى السعودية باعتبارها القلب النابض للعالم الإسلامي وموطن الحرمين الشريفين.
كما تواصل المملكة دعمها لبرامج التعليم والدعوة في باكستان، في إطار ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية. هذه الاتفاقية الدفاعية ليست مجرد وثيقة عسكرية، بل هي رسالة سياسية للعالم مفادها أن الرياض وإسلام آباد تسيران برؤية واحدة.
من الجدير بالذكر أن الشراكة بين الدولتين تتجاوز المصالح الآنية لتصبح مظلة شاملة للأمن، الاقتصاد، والثقافة. إنها شراكة تتجدد كل يوم وتزداد رسوخًا مع كل تحدٍ جديد، لتؤكد أن مستقبل المنطقة لا يمكن أن ينفصل عن هذا التحالف الاستراتيجي.