الطفل محور اهتمام الدول، وبمعرفة مقدار الرعاية التي يحظى بها يمكن التنبؤ بغد المجتمعات ونهضتها وتقدمها.. فالأطفال من أهم الفئات العمرية في أي مجتمع، كيف لا وهم قادة المستقبل؛ لذا تسعى العديد من المؤسسات الإعلامية على وجه الخصوص إلى إنتاج محتوى مخصص للطفل .
وكما قيل "مَن ملك الإعلام ملك كل شيء"؛ لذا هناك إيجابيات عديدة من ذلك، منها توسيع المدارك والخيال، وإكساب المفردات اللغوية السليمة. وهناك جانب تربوي سلوكي، وأيضًا قيمي، مع تنمية المشاعر الإيجابية. طبعًا عند صناعة إعلام مميز للطفل. أما السلبيات فهي بعكس ما ذُكر وأكثر عند انتهاك أنظمة السياسات الإعلامية وتقديم محتوى وصناعة سلبية.
وللحفاظ على الهوية والقيم يرى البروفيسور (هان)، أستاذ قسم الرسوم المتحركة في جامعة "سيجونغ" بكوريا الجنوبية، خطورة الرسوم المتحركة المستوردة على عقول الأطفال، خاصة أفلام والت ديزني الأمريكية التي تمجد قيم الحضارة الأمريكية، وتقدّس سيطرة الرجل الأبيض وسيادته، وكذلك الرسوم المتحركة اليابانية المعقدة، التي تضع نظرة تشاؤمية للمستقبل.كما قال البروفيسور هان: إن تقبُّل كل ما أنتجته ديزني بحجة أنه "مجرد كرتون لا غير"؛ لتغير المحتوى بشكل كبير عن الرسوم التي ظهرت مبكرًا بقوله: لأن إنتاج ديزني هو من الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال والعائلات فإن الناس يميلون إلى تقبُّل ما يأتي فيها والثقة بأن كل فيلم كرتون يحتوي على قصص جيدة وجميلة وبريئة بدون أي تحفظات أو فحص مسبق. وأكد أن النظرة العامة تعد الشخصيات الكرتونية فاقدة للهوية، وهذا ما يسهل انتشارها ونشرها لأيديولوجية رأسمالية.
لذا نرى نماذج كثيرة، تم صناعة إعلام متخصص للطفل من أجل فكرة معينة في البلد، أو تعزيز أمر ما، والأمثلة على ذلك كثير، وسنذكر هنا بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر، فكما قيل "يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق".
هناك نماذج من أفلام الكرتون مثلاً تم استثمارها كشخصية "الكابتن ماجد" الشهيرة، التي صنعت بداية الثمانينيات؛ إذ قامت شركة يابانية بطرح فكرة شخصية (سوباسا) المعروفة بالدبلجة العربية (الكابتن ماجد) التي نشرت في القنوات العربية في بداية التسعينيات الميلادية؛ لتكون قدوة للصغار في حب كرة القدم، والطموح بالفوز، وبناء جيل يحب كرة القدم؛ ليذهب للاحتراف الخارجي في الدول المتطورة كرويًّا والفوز بكأس العالم.
فكانت أول نسخة من هذا الفيلم الكرتوني عام 1981م، ثم توالت الأجزاء الأخرى بعد ذلك في تطور لشخصيته الشابة المشاركة في كأس العالم، والمحترفة خارج اليابان، حتى وصل الأمر إلى خمسة أجزاء لهذا الفيلم الكرتوني إلى الآن، ثم تطور الأمر إلى أن أصبحت لعبة إلكترونية، ثم مجلة ورقية للأطفال.. وهكذا.
فكل هذا الحشد الإعلامي للمساهمة في دعم ونشر قضية واحدة، هي كرة القدم، وجعل اليابان المصنف رقم واحد في قارة آسيا، ولها حضور جيد على مستوى العالم.
مثال آخر في دولة أخرى، انطلقت حكايته عام 1906م؛ إذ كتبت الروائية السويدية (سيلمى لاغرلوف) كتابها الروائي الشهير، الذي فاز بعد ذلك بجائزة نوبل في الأدب عام 1909م، وكانت أول سويدية تفوز بالجائزة.
ما قصة هذا الكتاب؟ وما سر هذه القصة؟ وما الدافع والسبب لكتابته؟!!
لنعد للوراء قليلاً. كان هناك ضجر كبير من الأطفال في السويد من كتاب مادة الجغرافيا، وعدم رغبتهم في حضور دروسها. وبعد دراسات عدة، قامت بها وزارة التربية السويدية، اكتشفت الوزارة أن السبب يعود لرتابة كتاب المقرر؛ إذ كان مملاً للأطفال، وغير مبسط لفهمه؛ لذلك طلبوا من الكاتبة سيلمى أن تكتب كتاب جغرافيا جديدًا، يناسب تلك الفئة العمرية، ويكون شيقًا وممتعًا في الوقت نفسه.
تحقق لها ذلك نتيجة العمل لمدة 6 سنوات، سافرت فيها إلى كل أرجاء السويد؛ فأخرجت الكتاب الرائع (نيلز هولكر سونس ورحلته عبر السويد) في عام 1906م. الكتاب الذي جعل الكبار قبل الصغار يقبلون على قراءته، وأيضًا كان السبب الذي جعل أطفال السويد يرغبون من جديد في فهم جغرافية بلدهم.
وقصة الطفل (نيلز) أن رجلاً قام بمسخه، وتحويله من حجمه الطبيعي إلى حجم صغير جدًّا؛ وذلك عقابًا له لإيذائه الحيوانات. وبسبب حجمه الجديد أصبح يركب على ظهر الأوزة (مورتن)؛ فكان يقوم بالسفر مع الأوز البري برفقة (مورتن) شمالاً في فصل الصيف، وجنوبًا في فصل الشتاء، مرورًا بمناطق مختلفة التضاريس؛ ليكون الهدف العميق هو التعرف على جغرافية دولة السويد من خلال هذه القصة وأحداثها.
وهناك أمثلة أخرى من واقعنا لاستديو براجون مثلاً الذي أنتج فيلم بلال، المستوحى من قصة الصحابي الجليل بلال بن رباح، وما تقوم به الآن شركة مانجا من إنتاج بعض الأفلام الكرتونية والمجلات باللغة العربية، مثل فيلم "في قادم الزمان" وفيلم "الرحلة". وشركة أخرى تنتج أفلامًا في التسعينيات الميلادية مثل "قرية الزيتون"، وفيلم "رحلة الخلود". والآن مثلاً قناة ماجد التي هي امتداد لمجلة ماجد الشهيرة.
إعلام الطفل ليس ترفًا بل صناعة، وجب احترافها إذا أردنا صناعة جيل قيمي تربوي مهتم بوطنه وأمته، منجز وممتلك للمهارات. وكثير ممن بدؤوا في صناعة إعلام هادف للطفل كان الصوت المحفز الداخلي لهم أنهم يريدون صناعة شخصيات كرتونية هادفة، يتأثر بها أطفالهم بدلاً من التأثر بشخصيات كرتونية عالمية، تأثرنا بها قبلهم من عالم ديزني وبيكسلر وغيرهم.
همست للجميع وذكرت: السؤال الحقيقي الآن: ماذا فعل إعلامنا لدعم قضايانا الرئيسية؟ انظر وحلل مثلاً في (إعلام الطفل) لدينا وغيره، وابحث عن القيم التي يبثها، والرسائل التي ينشرها من خلال البرامج والقنوات المخصصة.
هل يعيش الإعلام كوسيلة لنهضة البلاد أم ماذا؟ حلل البرامج والحشد الإعلامي في جميع أقسامه (المرئي، المسموع، الإلكتروني والمقروء).. بماذا خدم وماذا قدم؟ ماذا قدمت الشركات الإعلامية بالتعاون مع الجهات الرسمية في خدمة أهداف وقضايا المجتمع في أي وسيلة إعلامية كانت؟ أم إنها النفعية البحتة بغض النظر عن أي مبادئ وقيم! ما الأفكار والسلوكيات التي تقوم عليها البرامج بغرسها في أجيالنا؟ أسئلة كثيرة تجول بخاطري لهذه الوسيلة الأكثر تأثيرًا في عالمنا اليوم.