أحيت السفارة اللبنانية في المملكة العربية السعودية الذكرى "15" لاستشهاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بحضور سفير لبنان في المملكة العربية السعودية الدكتور فوزي كباره، ورئيس الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU الدكتور جوزيف جبرا، في مقرها بمدينة الرياض، بمشاركة دبلوماسيين عرب وأجانب وجمع من رجال الأعمال السعوديين واللبنانيين وعدد من الإعلاميين، وسط حشد من أبناء الجالية اللبنانية في المملكة.
وفي بداية الحفل، رحب السفير اللبناني في المملكة الدكتور فوزي كباره بالسادة الحضور، واستهل كلمته بالقول: لقد أصبح تاريخ 14 من فبراير من كل عام تاريخًا لاستحضار تاريخ أحد أهم القادة الكبار في تاريخ لبنان، وهو الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذلك الرجل الذي شكل رمزًا للإعمار والخروج من الحرب والدمار، والذي بكاه كل لبنان، مستذكرًا ما قدمه الرئيس الشهيد من عطاء ومساهمات وطنية وتنموية لا تزال حاضرة في ذاكرة جميع اللبنانيين، وخاصة الفئات الفقيرة والمهمشة.
وأكد "كباره" أن الحريري اشتهر في حياته بـأنه "أبو المساكين"، حيث فتح خزائنه للناس وساهم في تحسين حياتهم الاجتماعية والتعليمية، عندما تبنى على حسابه الخاص تعليم أبنائهم في أفضل الجامعات والمعاهد اللبنانية والعربية والأجنبية، ليحصلوا على أرفع الدرجات العلمية والبحثية.
وأوضح السفير اللبناني أن الرئيس الشهيد ركز على التعليم كركن أساسي لبناء الدولة، وكان على يقين بأن نهضة لبنان وإنقاذه من الدمار والحروب هو بالعلم، فسعى إليه في وقت كان صوت المدافع والرصاص هو لغة التخاطب بين اللبنانيين.
وبهذه المناسبة أعرب "كباره" عن إعجابه بالتجربة السعودية في قطاع التعليم، حيث تولي المملكة أهمية كبرى للتعليم، لبناء جيل واعد يمتلك ثقافات واسعة مرتكزة على علم راسخ، وقد رسمت المملكة من خلال رؤية 2030 انطلاقة جديدة نحو التميز والرقي في تطوير التعليم بشتى مراحله، كما أن مساعدات المملكة الخارجية في قطاع التعليم عبر مركز الملك سلمان بن عبدالعزيز للإغاثة والأعمال الإنسانية ناهزت الملياري دولار أمريكي، مما يدل على التزام المملكة بدعم هذا القطاع الحيوي ليس فقط على المستوى الداخلي بل على المستوى الخارجي أيضًا.
وأدار الندوة التي جاءت تحت عنوان "دور المجتمع المدني اللبناني في دعم القطاع التعليمي – رفيق الحريري نموذجًا" الإعلامي عماد الدين أديب، الذي كشف خلالها عن موقف كان شاهدًا عليه مع الرئيس الحريري، عندما أنقذ لبنان من معضلة مالية وتكفل بضمان مالي لرئيس وزراء ماليزيا آنذاك السيد ماهتير محمد بمبلغ "500 مليون دولار"، حيث كان لبنان مهددًا بعدم القدرة على سداد ديون مستحقة في هذا الوقت.
وحكى العديد من المواقف الإنسانية للرئيس الراحل والتي توضح بجلاء الملامح الإنسانية النبيلة لشخصية الرمز الكبير للوطن اللبناني، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مشروع المنح التعليمية لمؤسسة الحريري، والتي استفاد منها 35 ألف طالب لبناني من مختلف الطوائف والمناطق والمدن.
وقال: الرئيس الشهيد كان دائمًا يقول له إن هذا المشروع هو حلمه الشخصي، حيث يفرح عندما يرى أبناءه الطلاب في أعرق الجامعات والمعاهد العربية والأجنبية، ويقول الراحل الكريم: أنا أرى نفسي بين هؤلاء الطلاب النابهين، فلم يحول بينهم وبين العلم ماديات أو حواجز، مؤكدًا على أهمية أن يساعد الطلاب على أن يتعلموا وينهلوا من العلم والمعرفة ليسهموا في بناء الوطن ونهضته، وهذا هو المشروع الذي وهب له الحريري حياته من أجل بناء الوطن وزرع القيم الصحيحة في الأجيال الجديدة.
وخلال كلمته، قدم رئيس الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU الدكتور جوزيف جبرا، الشكر والتقدير للشعب السعودي الكريم، ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي نذر حياته لرفعة وتقدم هذا الوطن العزيز علينا المملكة العربية السعودي.
وأشار "جبرا" إلى أن العطاء هو أعظم ما يميز الإنسان ويكتب له الخلود بين الناس وفي الذاكرة الوطنية، وتناول الدكتور جبرا مسيرة الرئيس الشهيد منذ مولده في عرض لامس مشاعر الحاضرين، واستعرض العديد من إنجازات الراحل الشهيد ومن أعظمها أن بناء الأوطان لا بد له من وجود معلمين قادرين على صنع جيل متعلم قادر على نهضة وطنه.
وكشف عن تجربة مميزة في الجامعة الأمريكية من منطلق اقتدائهم برؤية ومشروع الرئيس الشهيد، قائلًا: لقد أخذنا على عاتقنا في الجامعة اللبنانية الأمريكية قبول أي طالب أو طالبة مؤهل ويستحق دخول الجامعة، وتوفير كل الدعم الذي يحتاجه، حيث قمنا بصرف مبلغ 50 مليون دولار هذا العام فقط، ومع ذلك لا يكفي ولذلك قررنا إنشاء صندوق طوارئ لمساعدة هؤلاء الطلاب، ونتلقى مساعدات من كثير من اللبنانيين أهل الخير والعطاء الذين تأثروا بهذا النهج الكريم.
وأوضح أن الراحل الكريم أحيا فينا معاني عظيمة، ووضع أقدامنا على الطريق الصحيح لبناء الأوطان ونهضة الإنسان، والعطاء غير المحدود بطائفة أو منطقة، ودعم كل شاب وشابة في الحصول على أفضل فرص التعليم المناسبة للمساهمة في بناء الوطن ونهضته.
من جانبه، روى حسن عبدالقادر الخولي تجربته كأحد أبناء مؤسسة رفيق الحريري التعليمية، منذ تخرجه دراسته الجامعية حتى عمله موظف بسيط بشركة سعودي أوجيه وتدرجه القيادي فيها حتى صار من كبار قياداتها، مستذكرًا ما غرسه فيهم الرئيس الشهيد في أبناء جيله من قيم ومبادئ وتوجهات ما تزال حاضرة في وجدان 35 ألف خريج استفاد من هذه المؤسسة.
وتحدث "الخولي" عن روح الأمل التي بثها الرئيس الشهيد لجيل من الطلاب في وقت من أصعب الأوقات التي مرت بالوطن حيث بدأ مشروع الحريري التعليمي في العام 83 إبان الاجتياح الإسرائيلي للوطن وعقب ثماني سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة، في هذا الوقت العصيب كان الله سخر لنا هذا الرجل العظيم رفيق الحريري ليفتح لنا آفاقًا واسعة للعلم والمعرفة، حيث كانت أقصى أماني الطلاب وقتها الحصول على الثانوية والعمل في أي مهنة بعدها، فحركة الناس صعبة والتواصل مقطوع بين مناطق الجمهورية، فجاءت مؤسسة الشهيد كمنحة ربانية لطلاب والطالبات.
وأضاف: المنح الطلابية كانت تغطي كافة مصاريف الطالب خلال الدراسة الجامعية من جميع الأقساط الجامعية وبدل الكتب وبدل السكن ومصروف شهري لكل طالب وبدل مشروع تخرج، وصنعت هذه التجربة الملهمة واقعًا جديدًا في لبنان وأنشأت روابط وعلاقات راسخة بين مختلف أبناء الوطن.
وأدار الإعلامي عماد الدين أديب النقاش والحوار بين الحضور والسادة الضيوف، والذين تناولوا العديد من جوانب المشروع التعليمي الرائد للرئيس الشهيد، مطالبين بتكرار مثل هذه التجارب البناءة، خاصة في مثل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان حاليًا.
وشددوا على أهمية تطويرها على مسارين الأول تحويل برامج الدعم الطلابي إلى برامج مستدامة من منح إلى قروض، الثاني بدعوة كل من استفاد من منحة تعليمية بالمبادرة تلقائيًا بتبني طالب ومساعدته في هذه الظروف الحساسة.