امتزجت أفراح العيد بمنطقة جدة التاريخية وحاراتها العتيقة بأصالة الماضي وعراقة الحاضر والتي كانت حاضرة في داخل منازل الأهالي مع فرض أمر منع التجول كأحد الإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، حيث عايشت العادات والتقاليد من استقبال التهاني ومشاهد الأنس والبهجة وجدان الجميع بعد إتمام صيام وقيام شهر رمضان المبارك.
وفي هذا الإطار استحضر عمدة حارتي البحر واليمن عبدالصمد محمد عبدالصمد مظاهر العيد في جدة قديماً والتي تحمل المشاعر التي يسودها الفرح وتبادل التهاني والتواصل الاجتماعي والحرص على صلة الأرحام والتسامح، مشيراً إلى أن هذه المظاهر التي تجسد للأجيال الحالية الحضارة والعراقة والتراث في أبهى صورها، تبدأ من خلال تزيين المباني وتنظيفها وتهيئة مداخل الحارات وبعض الساحات لتقديم الألوان الشعبية التي عرفت بها جدة قديماً كالأهازيج الفلكلورية في ليالي العيد.
وقال عبدالصمد: تحرص حارات جدة القديمة أن يكون استقبال العيد السعيد وفق نهج الآباء والأجداد وتقاليد الأهالي وحياتيهم الاجتماعية من الزيارات وتقديم الهدايا والضيافة العربية، والتي تلقى حضوراً كبيراً من أهالي والأحياء وخارجها على مدى أيام العيد لإدخال الفرحة ورسم الابتسامة على وجوه الجميع صغيراً وكبيراً في هذه المناسبة الغالية.
من جانبه تناول عميد عائلة آل باعشن الشيخ عبود بن أبو بكر باعشن استعدادات الحارات في جدة قديماً، والتي تبدأ قبل صلاة العيد حيث يتم توزيع "التمرية" في المساجد والمصليات المجاورة في بادرة تدل على التسامح ونشر المحبة بين الأهالي، وبعد صلاة العيد تبدأ المعايدة وتقديم الحلوى، كما عرفت جدة قديماً بتقديم مائدة الإفطار الجماعي "التعتيمة الحجازية" كعادة متأصلة ضمن مظاهر العيد في جدة .
وأضاف أن معايشة العيد قديماً كانت تلبي رغبات كافة شرائح المجتمع من الشباب والأطفال والنساء والرجال، فكلهم يشعرون بهذه الفرحة التي تتكرر كل عام، حيث يمعن الجيل الحالي النظر برؤية هذه اللوحات التراثية التي لا تدلل إلا على الحضارة والمخزون الثقافي السعودي، مشيراً إلى أن منطقة جدة التاريخية تحتفي في العيد بالألعاب الشعبية القديمة، كما يقدم السكان عدداً من العيديات "المبالغ المالية الرمزية" للأطفال لرسم البسمة على وجوههم يشاركون المجتمع فرحة العيد .
وبينت الأديبة والمتخصصة في شأن المنطقة التاريخية بجدة الدكتورة مها بنت عبود باعشن أن حارة جدة العتيقة هي القلب النابض بالتراث وأصالة الماضي، حيث تبحر مع إطلالة العيد السعيد في أعماق أبنائها لربطهم بحياة آبائهم وأجدادهم وتذكيرهم بما كان يدور في فلكها من أفراح وأعياد ليتم إعادة الموروث التقليدي في زمن التقنية والحداثة.
وأشارت الدكتورة باعشن إلى أن من عادات أهالي جدة قديماً في العيد هي ما يزاول في الأحياء الشعبية بقيام عدد من الشباب في العشر الأواخر من رمضان بجمع مبالغ مالية من سكان الحي تعرف بـ"القَطَّة" أو "العيدية" لإحياء أيام العيد، مضيفة أن من مظاهر البهجة لدى الأطفال هو بمزاولتهم الألعاب الشعبية القديمة، إلى جانب ممارسة الكبار للفنون الفلكلورية المتنوعة .
بدوره أفاد المرشد السياحي طارق متبولي أن منطقة جدة التاريخية وخاصة حاراتها العتيقة مازالت محافظة على مظاهر الحياة الاجتماعية القديمة التي كانت وما زالت تشتهر بها منذ القدم خصوصاً في مواسم الأعياد كالتواصل بين الجيران، ومركاز العمدة والبسطات الموسمية التي أصبحت عادة تجذب أهالي وزوار جدة، في حين تضم حارة المظلوم أقدم مكان للترفيه في المملكة وهي "برحة العيدروس" التي يعود تاريخها لأكثر من سبعين عاماً وتحيط بها المباني الأثرية القديمة التي تزيّنها الرواشين، وتضم في أرجائها عديداً من ألعاب الأطفال التراثية التي يتم تحريكها يدوياً .
وأشار إلى أن استقبال العيد في جدة قديماً كان يغلب عليه طابع الفرح والحرص على التسامح بين أهل الحي بمبادرة من العمد والأهالي من خلال ترديد الأهازيج المصحوبة بلعبة المزمار والضرب على الدفوف، حيث يمثل المزمار أشهر ألوان الفنون ليس على مستوى جدة فحسب، ولكن على مستوى مدن منطقة مكة المكرمة بأكملها ناهيك عن كون العيد في الماضي موسماً للقاء الأقارب والإفطار الجماعي بينهم .
وأضاف أن هذه الحارات تتميز بنشاط الحركة في الشوارع والميادين في موسم العيد والتي لا ينقطع عنها الزوار في مختلف المواسم خاصة حارات المنطقة التاريخية التي تقام فيها الفعاليات والأنشطة الثقافية الهادفة لإحياء التراث الثقافي لجدة وتعريف أبناء الجيل الحالي والزوار بتراث جدة القديمة وبالعادات والتقاليد المعروفة فيها قديماً.