
يستعد المزارعون في جبال فيفاء جنوب السعودية، هذه الأيام، لموسم زراعة حبوب القمح والذرة، فلكل نوع منها موسم معين لزراعته وجنيه، يعرفه المزارعون من خلال علامات كالشمس والمطر والغبار في بعض المواسم، وأشهر المحاصيل هو الدُخن والغِرب والزِعر والهِند والزيدية وأنواع أخرى، كما تمتاز فيفاء بأنواع أخرى من الحبوب كالقشد والدجرة والأقطن، وهذه الحبوب تعتبر من فصائل البقوليات.
وكانت الزراعة قديمًا في محافظة جبال فيفاء، مصدر رزق وحيد للأهالي، إضافة إلى رعي الماشية، فهناك نحو 90% من سكان فيفاء يعمل بالزراعة، وكانت تربة المحافظة الخصبة ومدرجاتها الخضراء وطقسها الماطر معظم أوقات العام، فرصة لعمل الأهالي في الزراعة، لتأمين لقمة عيشهم، وادخار بعض المحاصيل لأعوامهم المقبلة، وإهداء أو بيع الفائض لأهالي المحافظات المجاورة.
وكما يقال فالحاجة أم الاختراع، كذلك أهالي فيفاء القدامى أجبرتهم حاجتهم في المساحات الواسعة، إلى بناء المدرجات لتحوي التربة، والاستفادة منها في الزراعة، والحاجة أيضًا دفعت المزارع الفيفي إلى صناعة الآلات الزراعية واستغلالها في عملهم الزراعي كـ"الحَزَبة"، واستقطب الأوائل الثيران للاستفادة منها في حرث الأرض وزراعتها.
وماتزال جبال فيفاء إلى يومنا هذا تكتنز بين جنباتها الكثير من أشجار الفواكه والخضروات والحبوب والنباتات العطرية، وما يميز تلك المنتجات أنها طبيعية دون تدخل أو استعمال للسماد الصناعي أو المبيدات الحشرية في زراعتها، ومن أهم هذه النباتات البن الخولاني، حيث تعرف مرتفعات خولان، بأنها الموطن الأصلي لأجود أنواع البن على الإطلاق، لجودته العالية ومذاقه الأروع بين أصناف القهوة، التي تنتجها المناخات الأخرى، واكتسب شهرة واسعة، فأطلقوا عليه البن الخولاني، ليكون السلعة الأغلى في سوق القهوة، والبن الخولاني نسبة للجبال التي تقطنها قبائل خولان ومن ضمنها قبائل فيفاء.
وتشتهر محافظة فيفاء بأشجار البن منذ القدم، ونظرًا لكثرة أشجار البن، فإن مهرجان البن جاء للحفاظ على هذه الشجرة، حيث تقدر أشجار البن في المحافظات الجبلية بنحو 100 ألف شجرة، كما يقدر عدد المزارعين والمهتمين بهذه الشجرة قرابة 700 مزارع، ولمحافظة فيفاء نصيب من هذه الأعداد سواء كان عدد أشجار البن، أو المزارعين المهتمين بهذه الشجرة.
وتعرف شجرة البن إلى حاجتها للمياه بوفرة وأن مياه الأمطار هي المصدر الرئيسي والذي يعتمد عليه المزارعون في فيفاء، كما أن المواسم التي تكون فيها الأمطار قليلة تؤثر على نبات البن من حيث وفرتها وشحها.
وهناك العديد من الأشجار التي وجدت مع المزارع الفيفي منذ أن استوطن فيفاء تقريباً، ولم يتدخل أحد في زراعتها كالبرشومي والبابايا والقشطة، أو كما يسميها أهالي فيفاء بالسفرجل، فأغلب هذه الأشجار زرعت تلقائياً ولا تحتاج إلى عناية وإشراف من قبل المزارعين، وتستخدم بعض النباتات كعقاقير طبية، وأدوية شعبية، يستفاد منها في الطب البديل.
وحين ذكر النباتات في فيفاء، تجد النباتات العطرية مكتظة حول المنازل وفوق أسطحها، حيث يعنيها الفيفيون جل اهتمامهم، ومن أهم تلك النباتات، الكادي والنرجس والبعيثران والريحان والبردقوش والخزام والهزاب، ويتزين الأهالي بهذه النباتات فوق رؤوسهم، ويضعونها في جيوبهم، ويكون غالبًا التزين بهذه النباتات مع اللبس الشعبي القديم، لما تتميز به من روائح زكية، ويستحال أن تخلو الأسواق الشعبية في المنطقة من هذه النباتات لكثرة الطلب عليها، كما أن هناك نباتات مميزة أخرى تزرع لوحدها دون زراعتها، وما يميزها أشكالها العجيبة وألوانها الزاهية كالعيفقان والزئبق الناري، وفي الغالب هذه النباتات تكون دون رائحة وما يميزها فقط هو الشكل.
ولأول مرة في الشرق الأوسط نجحت مؤخرًا هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية، في تجربتها بزراعة شجرة الكاكاو، بعد أن استمرت فترة التجربة لسنوات، تم من خلالها جلب البذور، وجربت محطة التجارب الزراعية بالهيئة، زراعة شجرة الكاكاو وتوطينها في مزارع بفيفاء، وثبت نجاحها.
وهناك العديد من المحاصيل الزراعية المختلفة في فيفاء لا يمكن حصرها، منها: الموز والمانجو والرمان والطماطم والتين والجوافة والليمون والتمر الهندي وغيرها، وعلى الرغم من توفر البيئة الخصوبة، تظل هناك مشاكل تعكر صفو المزارع الفيفي، وأهمها عدم توفر الآلات الحديثة التي تختصر الكثير من الجهد والوقت، واعتماد المزارعين على وسائل الزراعة التقليدية القديمة، التي قد تكون السبب في تأخر الزراعة لديهم، كما أن بعض مواسم الأمطار الغزيرة في محافظة فيفاء قد تكون أحد المشاكل التي يواجهها المزارعون، لما تسببه من دمار للمدرجات الزراعية، وانهيارات صخرية لمعظمها، وعلى العكس من ذلك، ففي حين كان منسوب مياه الأمطار قليلاً يعني ذلك أن المحاصيل قد تكون بكميات قلية، وقد يؤثر على جودتها، وهذا يعني أن الزراعة في فيفاء تعتمد بشكل أساسي على مياه الأمطار.
وتوجد بعض الأضرار تلحق بالنباتات كمشوكات الرأس في البقوليات، الذي يتسبب في جفاف الثمر، كما ظهر مؤخرًا مرض في بعض المحاصيل شبيه بالبكتيريا، أفسد فرحة جنيها.