إلى داود الشريان.. "اعكسها بس" وسينجح تلفزيوننا

إلى داود الشريان.. "اعكسها بس" وسينجح تلفزيوننا
تم النشر في

اسمح لي أن أحدثك عن تجربة ربما أنت تعرفها أيضا؛ فمنذ خمسة وعشرين عاماً وأنا أتعامل وأتفاعل وأنام وأصحو وأتعايش مع التلفزيون السعودي.. أعرف خيباته ونجاحاته وفرصه الضائعة وفرصه الرائعة, لست أنا وحدي طبعاً؛ فكل زملاء المرحلة ومن سبقونا ومن جاءوا بعدنا أيضاً لديهم هذه المعرفة؛ ولكنني -وبشكل دقيق وحقيقي- قمت بإعداد دراسة تفصيلية تحليلية متكاملة عن القنوات السعودية (تطوير المحتوى)، استمرت أكثر من سبع سنوات، كتبت ووثّقت وحللت وسألت واستفسرت (ودعبست)، وبذلت جهداً مستميتاً لفهم السؤال الأكبر: لماذا يفشل التلفزيون السعودي؟ وعندما بدأت هذه الدراسة كنت حانقاً لأنني كنت أؤمن في داخلي أن السبب هو عدم وجود ميزانيات مالية كافية، وسعيت في بحثي إلى ضرورة إثبات ذلك؛ لكن المفاجأة كانت صادمة بقوة لا يتصورها أحد على الإطلاق.. ميزانيات التلفزيون أكثر مما يحتاجه التلفزيون فعلياً!..

لقد اكتشفت أن ما يحتاجه التلفزيون هو إعادة توزيع للموازنة بشكل واقعي وعادل يتوافق مع النظرية العادلة في صناعة الإنتاج التلفزيوني التي تقول إن المحتوى هو الملك، ويطورها كثير من الاختصاصيين الذين ألتقي بهم منذ عشرين عاماً في أهم المهرجانات التلفزيونية حول العالم؛ أن المحتوى -بعد استبعاد رواتب الموظفين ومصاريف التشغيل- يجب أن يكون ثلاثة أضعاف المخصص لكل شيء آخر؛ وهذا يعني بوضوح إعطاء الأولوية للمحتوى عند تخطيط الموازنة كمرتبة ثانية بعد الرواتب والأجور والتشغيل، وهذا يعني أيضاً أن المحتوى أهم من القطاعات الهندسية التي لن يستفيد منها أي تلفزيون بشكل أساسي؛ ما لم يكن هناك محتوى جاذب.. لنقل أيضاً إن جودة هندسية أقل مع محتوى رائع ستكون ناجحة أكثر من جودة هندسية أمام محتوى سيئ.. هذا يجعلنا نفكر بجدية كم يجب أن تكون تكلفة التقنيات أمام المحتوى والحقوق الفكرية؟ أعتقد أن المحتوى والحقوق يجب أن تحصد ثلاثة أضعاف قيمة التجهيزات وعلى سبيل المثال لو كانت موازنتنا ملياراً (خارج الرواتب والأجور والتشغيل التقني)؛ فيجب أن توزع كما يلي:

- من 65 إلى 70% تخصص للمحتوى

- من 35 إلى 30 % تخصص للتجهيزات الهندسية

ودعني أذكّرك بشيء أعلم أنك تتابعه وتعرفه؛ وهو أن تجهيزات وتقنيات التلفزيون ومختلف صناعات البث والتصوير والمونتاج تنخفض سنوياً، ولم تعد تكاليف هذه التجهيزات عالية؛ مع ضرورة أن يقوم التلفزيون بجرد حقيقي وتفصيلي لموجوداته الهندسيه التي أثق أنها أكثر من كافية ومفيدة؛ بل إنها من أحدث وأهم التقنيات الموجودة في العالم.. وكمثال لعله يناسب الواقع؛ لو أن تلفزيوننا يشتري بمبلغ 450 مليون ريال سنوياً كعقود هندسية، وما لا يزيد عن 50 مليون ريال للمحتوى؛ فالأفضل أن تعيد توزيع جدولة الموازنة ليكون المحتوى ما لا يقل عن 300 مليون للمحتوى، ومبلغ 200 مليون للتجهيزات الهندسية الجديدة والضرورية فقط (لا ننسى أن لدينا تجهيزات متقدمة أصلاً وحديثة جداً تحتاج الصيانة، ورخصاً للبرامج المشغلة لها)، ودعني أكون شفافاً مع الجميع وليس تشكيكاً في أحد؛ ولكن أعتقد أنه ربما يتم شراء أجهزة وتقنيات لا حاجة لها، وهذا ربما يكون بحماس ورغبة صادقة من القائمين على ذلك؛ ولكن المرحلة الحالية تستدعي التأكد الشديد من عقود الشراء للتجهيزات الهندسية؛ فنحن -شئنا أم أبينا- أمام مرحلة جديدة تستدعي الصرف الذكي، والقادم واضح للجميع؛ فنحن متجهون إلى سوق مشاهدة يذهب بنا سريعاً إلى مناطق جديدة أثق أنك ستبدأ فوراً في اقتحامها بشكل احترافي وحقيقي.

أنت تعلم جيداً وأنت صاحب التجربة الطويلة، أن "نت فلكس" قادمة للسوق السعودي تحديداً ومعها "أمازون" وغيرها من أهم تطبيقات المشاهدة مقابل الدفع، وقد أعلنت شركة "آبل" أيضاً أنها ستدخل إلى سوق صناعة الترفيه عالمياً مع مطلع 2019، وأنها تخطط لأن تستثمر في أهم الأسواق حول العالم لصناعة المحتوى.. وهذا يعني ضرورة أن يتحول التلفزيون السعودي -وبشكل عاجل وبشكل موازٍ للتلفزيون التقليدي- إلى بناء نظام OTT ذكي وسهل يستفيد من مكتبة التلفزيون السعودي التي تساوي مليارات الريالات؛ كونها الذاكرة الأهم لبلادنا، ويحولها إلى تطبيق متاح ومدفوع يستطيع الجميع أن يشاهده باشتراك مالي؛ ولكن بخدمات تفاعلية حقيقية تغري المشاهدين للاشتراك ومشاهدة كل ما في هذه المكتبة العظيمة من محتوى، وللأمانة أعرف أن مثل هذه الأمور لن تفوتك؛ ولكن ابدأ بالمحتوى واعكسها يا "أبو محمد"، وسينجح تلفزيوننا؛ بل وسننجح جميعاً.. فهذا التلفزيون هو صوت الدولة الذي لم يعد يلتفت إليه الناس بالشكل الذي يستحقه.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org