يقول الأديب والمفكر المصري عباس العقاد -رحمه الله- واصفاً شخصية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه: "كان الملك عبدالعزيز عنيداً مع الأقوياء، متواضعاً مع الضعفاء، لكنه كان يسمع الرأي الآخر، فإذا اقتنع به رجع إليه؛ لأنه اتخذ من الحق والشريعة إماماً وحكماً".
في هذا السياق يتفق المؤرخون على أن "عبقرية" الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- كانت العامل المهم الذي أسهم في تأسيس المملكة العربية السعودية على أسس ثابتة، تقدم روح التسامح متسلحة بمبادئ الدين الإسلامي القويم التي جعلها المؤسس دستوراً لبلاده.
ويصف المؤرخون اهتمام الملك عبدالعزيز –رحمه الله– بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي للبلاد، فهو يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذاً بعين الاعتبار حق المملكة في استقلالها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها: الدينية، والحضارية، والثقافية، وهو ما جعله محبوباً من مختلف قادة دول العالم، وليصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
دور مؤثر
لقد سعى الملك عبدالعزيز إيماناً منه بأهمية دور المملكة الرائد إلى تعميق الإسهام بدور مؤثر في تأسيس أهم المنظمات العالمية والإقليمية ودعمها مثل الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، فرسم السياسة الخارجية السعودية بصلات واضحة مع أبرز دول العالم حينها، وخصوصاً التي لها علاقة بالمنطقة، وكان يحرص على أن يدير هذا الملف بنفسه؛ فكان يتولى ويشرف على الاتصالات والمكاتبات مع تلك الدول، كما أقامت المملكة عدداً من السفارات والمفوضيات والقنصليات السعودية في الخارج في وقت مبكر من قيام التمثيل الدبلوماسي السعودي، فافتتحت السفارات السعودية في كل من لندن وواشنطن والقاهرة، ومفوضيات في كل من تركيا وإندونيسيا والأردن وإيطاليا وأفغانستان، وقنصليات في كل من القدس ونيويورك والسويس والبصرة وبومباي. وبعد ذلك تتابع افتتاح السفارات والممثليات والقنصليات في الدول الخارجية. كما تم توقيع أكثر من 70 معاهدة واتفاقية في عهد الملك عبدالعزيز، وزاد عدد تلك الاتفاقيات والمعاهدات ليصل حوالي 135 معاهدة واتفاقية في أواخر عام 1973م.
شخصيات عالمية
وحول أبرز الشخصيات العالمية التي تشرفت بلقاء المؤسس -رحمه الله- أشار لبعضها الأستاذ خالد التريباني في التالي: "التقى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- خلال فترة حكمه عدداً كبيراً من الشخصيات العربية والإسلامية والأجنبية البارزة خلال زيارتهم له أو زيارته لهم أو ممن جاءوا للحج ونزلوا في ضيافته، ومن أبرزهم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بقناة السويس بمصر عام 1945م، ووينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، ووزير خارجيته أنطوني إيدن في الفيوم بمصر عام 1945م، والملك فاروق الأول ملك مصر، ومحمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزارته، في ينبع عام 1945م وفي القاهرة مرة أخرى عام 1946م، والملك فيصل الأول ملك العراق في عرض الخليج العربي في فبراير 1930م، وشكري القواتلي الرئيس السوري، الذي وصل إلى مكة المكرمة في فبراير 1926م؛ لتهنئة الملك عبدالعزيز بفتح الحجاز. ثم التقاه مرات عديدة؛ واحدة منها في مكة وأخرى في القاهرة عام 1945م، ونوري السعيد رئيس وزراء العراق، ثم وزير الخارجية التقاه عدة مرات، آخرها في مخيم الملك بـ(روضة التنهات) شرق نجد في أبريل 1940م".
حكمة وحنكة
لقد أسهمت "حكمة المؤسس" في تجنيب المملكة تداعيات الحروب العالمية والنفوذ الاستعماري، وعلى سبيل المثال حين اندلعت الحرب العالمية الأولى، لم يكن الانفتاح على العالم الخارجي يعني بالنسبة له الاعتماد على القوى الأجنبية في توسيع دولته وتعزيز وحدتها. وسياسته ارتكزت "على مبدأي التفاعل مع العالم الخارجي والاستقلال تجاهه في الوقت نفسه". كما اعتمد على الزيارات الخارجية التي قام بأغلبيها ابنه الملك فيصل رحمه الله لتوثيق العلاقات وبناء الصداقات مع مختلف دول العالم. وهو ربما ما جعل وزارة الخارجية هي أول وزارة يتم إنشاؤها في المملكة.
كما تبنى وحمل على عاتقه الشأن العربي، وأثبت الملك عبدالعزيز اهتمامه وحرصه على المشاركة في حل قضايا العرب، وفي مقدمتها قضية فلسطين. هذا النشاط كان له دوره في تحرك الرئيس الأمريكي روزفلت، فطلب الأخير مقابلة المؤسس. وعلى غرار ذلك لقاءاته مع شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل.
روح التسامح
إن السياسة الحازمة والذكية التي اتبعها الملك عبدالعزيز في وضع أسس الخارجية تمثلت فيها روح التسامح تتحمل تبعات كبيرة لم تمنَّ بها ولم تفاخر بها، بل كانت تعمل بصمت، وهو ما جعلها تكسب احترام العالم أجمع، وإيماناً بأهمية دور المملكة الرائد في جميع المحافل الدولية والإقليمية حرص قادة هذه البلاد منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- حتى الوقت الحاضر على الإسهام بدور مؤثر في تأسيس أهم المنظمات العالمية والإقليمية ودعمها، وهي بحسب تاريخ تأسيسها: منظمة الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية.