ليومين -بلغة وكرقم في صناعة التاريخ- كانت الرياض محطّ أنظار العالم حين استضافت رئيس حليفها التاريخي وأبرز القادة العرب والإسلاميين الأكثر تأثيراً في صناعة القرار؛ لينتج عن ذلك بيان تاريخي حَفِل بمكتسبات في غاية الأهمية لكل الأطراف.
بل وكان من المدهش أن تنفذ كل أجندة القمم بتلك الحرفية التي أدهشت العالم وعلى رأسهم الأمريكان الذين أقرت وسائل إعلامهم بانبهارها سواء على صعيد الاستقبال والتنسيق، أو ما نتج عنه من اتفاقيات وبيان دولي، وليس آخر ذلك الكشف عن أبرز مركز تقني عالمي لمكافحة التطرف والإرهاب.
تأكيد الرسالة:
في المقابل فإن ما قامت به الرياض من دعوة الأشقاء والخليجيين والعرب والمسلمين؛ كان تأكيداً منها على رسالتها وانطلاقاً من موقعها في قيادة العالم الإسلامي للدفاع عن قضاياه وحقوقه.
لقد تكللت جهود المملكة بجلوس رئيس أكبر دولة في العالم على طاولة واحدة مع قادة العرب والمسلمين؛ للإنصات لنقاط الاختلاف، والبحث الشفاف عن حلول حقيقية وعن موقف واضح من قِبَل الحليف الأمريكي؛ وهو ما تَجَلّى في البيان الختامي من قرارات كان الوصول لها يقتضي عادة الكثير من اللقاءات والتنسيقات على مستويات متدرجة من المسؤولين، وصولاً للقاء الزعماء، وفي النهاية قد لا تنتهي إلى شيء.
مضامين ترامب:
وكما تَمَخّض عن المؤتمر الصحفي المشترك لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الأمريكي عقب اختتام القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض؛ فإن مضامين خطاب الرئيس الأمريكي أمام القمة تَضَمّنت مؤشرات أساسية للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. كما أبرزت وجود أفق للتعاون بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي لمواجهة التطرف والإرهاب، وبناء مستقبل أفضل.
إضافة إلى ذلك؛ فإن القمة نقطة محورية في تاريخ العالم، وتفتح صفحة جديدة بين العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي.
أهلا بالأشقاء:
نجاح الرياض في إقناع ممثلي أكثر من 55 دولة، للجلوس على طاولة واحدة في وقت قياسي؛ هو تأكيد على ما تمثله من مكانة استحقتها بفضل سياسة متزنة تحترم الجميع وترفض التدخل في شؤون الغير.
لقد كان بإمكان المملكة أن تستأثر بالحدث؛ لكنها جعلت المصلحة العربية والإسلامية على خط موازٍ لا تقل أهميته عما تسعى له دعماً لمصلحتها وخليفها وأيضاً انحيازاً للسلام في المنطقة والعالم، ورفضاً للإرهاب والتطرف الذي لا يقره أي دين ولا عقل.
بساطة ملك عظيم:
لقد حَفِلت القمة خلف كاميرات الحدث الرسمي بروح بساطة وأناقة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تجاه ضيفه؛ عكست أريحية الخلق الإسلامي النبيل وإكرام الضيف؛ مهتمة بأدق التفاصيل، وهي حنكة القائد في نقل ثقافة الكرم السعودي تجاه ضيوفه.
وعلى الصعيد الرسمي؛ فكلمة خادم الحرمين، وكلمات قادة دول العالم العربي والإسلامي؛ أكدت رغبة الجميع في محاربة آفة الإرهاب والتطرف. كما أن إعلان الرياض حمَل رسالة للعالم؛ وهي بالمناسبة تأكيد على الثوابت لدى المملكة وحلفائها، بأهمية مواجهة الإرهاب.
عمق البيان الختامي:
لقد أكد البيان النهائي، بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لمواجهة التطرف والإرهاب، وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليمياً ودولياً.
كما أبرز البيانُ تثمينَ القادة للخطوة الرائدة بإعلان النوايا بتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض"، الذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018م.
كما أن من أقوى المكتسبات -نقول للجميع وليس للمملكة فقط- ترحيب القادة بتأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف ومقره الرياض، الذي يُعَد الأحدث عالمياً بتقنيات ثورية.
قرار استراتيجي:
كما أن استعداد عدد من الدول الإسلامية للمشاركة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتوفير قوة احتياط قوامها "34" ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية عند الحاجة؛ يُعتبر من أقوى القرارات التي اعتُمدت في هذا الشأن، ومن شأنه أن يعيد حسابات كل مَن يريدون الاستمرار في ترويع الآمنين وقتل الأبرياء.
ليس هذا فحسب؛ بل على خط تعزيز التعايش والتسامح البنّاء بين مختلف الدول والأديان والثقافات؛ نجحت الرياض وشركاؤها في التأكيد والالتزام بحماية ونشر ثقافة التسامح والتعايش والتعاون البنّاء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، وترسيخ هذه المفاهيم والمحافظة عليها وتعزيزها لدى الأفراد والمجتمعات؛ من خلال مجالات الحوار الثقافي الهادف والجادّ الذي يوضح سماحة الدين الإسلامي ووسطيته ونبذه لكل أشكال العنف والتطرف، وقدرته على التعايش السلمي مع الآخرين، وبناء تحالف حضاري قائم على السلام والوئام والمحبة والاحترام. ورفض كل الأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول. ومن ذلك -كأبرز الأمثلة- رفضهم الكامل لممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ولاستمرار دعمه للإرهاب والتطرف.
قمم الرياض.. تنتزع التزام الشركاء:
لقد انتزعت (قمم الرياض) التزاماً من جميع الأطراف بجوانب عامة؛ أبرزها التنسيق في المواقف والرؤى بين العالمين العربي والإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية؛ سيكون على أعلى المستويات، وصولاً إلى تحقيق ما تصبو إليه الشراكة الاستراتيجية بينهما.
بل ولكي لا يكون الحدث أسير التفاعل المؤقت؛ فقد وضعت الرياض وحلفاؤها التزاماً بأن يقوم القادة بتكليف الجهات المعنية في دولهم بالعمل على متابعة وتنفيذ مقررات إعلان الرياض، وتشكيل ما تحتاج إليه من لجان وزارية وفِرَق عمل فرعية، وما يستلزمه من اجتماعات ومناقشات وتنسيق مباشر، ورفع التقارير الدورية عن مدى تقدم تلك الأعمال.
إشادات واسعة:
الإشادات الواسعة سواء من الرئيس ترامب أو وزير دفاعه وغيرهم بتأكيد قدرة السعودية على استضافة مثل هذه الأحداث التاريخية ببراعة كبيرة، وكذلك شهادات بقية الأشقاء؛ هو وسام يعتز به كل السعوديين إلى جانب قيادتهم الرشيدة.
والجميع يتفق أنه من النادر قيادة مثل هذه الأحداث التاريخية، التي وضعت قيادتنا خططها بوضوح بداية من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ومساندة ولي عهده الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وولي ولي عهده مهندس الرؤية السعودية محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والذي كان لمساعيه وتحركاته دور محوري في أن تكون أول زيارة للرئيس الأمريكي ترامب في الخارج هي إلى السعودية.
هؤلاء خارج النص:
سيقول الكثيرون -ممن يُعرفون بما يُعرفون به بما لا يشرف- الكثير عن المملكة؛ غير أن الحقيقة ستبقى كالشمس لا يمكن حجبها. وستبقى السعودية منبراً للسلام مستنيرة بقيم الإسلام النبيلة؛ فالمنصفون كُثُر. يقول د.أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: "قمم الرياض ترسل رسالة واضحة لعالم عربي إسلامي يسعى إلى قيم التسامح والتعايش، ويرفض منطق صراع الحضارات، ويدعو إلى شراكة الحضارات.. السعودية ودول الخليج العربي تُمَثّل اليوم صوت الاعتدال والواقعية السياسية، وقمم الرياض تكريس ذلك بكل ما تحمله من رمزية ونتائج سياسية ملموسة.. سياسة خادم الحرمين تبني على أهمية السعودية وتعمقها، وقمم الرياض تتويج للدور المحوري للمملكة في محيط عربي إسلامي، الرياض صوت العقل والاعتدال."