"وزارة العمل" تشجِّع على التحايل!!

"وزارة العمل" تشجِّع على التحايل!!
الكل يشيد بالخطوات التصحيحية التي اتخذتها وزارة العمل مؤخراً، والقرارات التاريخية التي تشجِّع على السعودة، وتسعى للقضاء على البطالة.. لكن، ومع كل ذلك، فالجميع يدرك أنه مقابل تلك الأنظمة والقرارات تولدت اختراقات وثغرات، يستغلها الكثيرون؛ وكان من الأجدى على الوزارة معالجتها والتنبه لها بدلاً من أسلوب التهديد بالتشهير والوعيد بالتزوير الذي تعلنه وترفعه الآن بعد أن شعرت بورطة كبيرة جداً أمام ما يحدث حالياً.
 
أولى وأهم خطوات المعالجة المفترضة، وبدلاً من التهديد والوعيد، هو أن تسأل الوزارة نفسها:
لماذا لجأ ويلجأ أرباب العمل والتجار إلى هذا الأسلوب وإلى هذا التحايل والتلاعب؟!
 وهنا سأروي قصة لمواطن، وقفت عليها بنفسي؛ عسى أن تفيد في الموضوع، وقد حدثت قريباً..
 
يقول صاحبنا: عقدت العزم على "الترزق" وفتح محل تجاري، حالي حال الكثير من المواطنين، لكني لاحظت أن النظام من البداية يحضني بطريقة غير مباشرة على التحايل، بدءاً بفتح سجل تجاري؛ إذ يشترط ألا أكون موظفاً حكومياً. ووجدت على النقيض تماماً، أن معظم أصحاب المحال التجارية موظفون حكوميون!!
 
لأكتشف لاحقاً أن الجميع يتحايل على النظام بأن يستخرج وكالة باسم والده أو والدته أو زوجته، أو غير ذلك، وفعلاً وجدت نفسي مجبراً على أن أتحايل كما يتحايل هؤلاء، وأعمل كما يعملون؛ حتى أستخرج سجلاً تجارياً عملاً بمقولة أحدهم "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"!!
ويواصل صاحبنا: وبعد استخراج رخصة المحل والتسجيل في مكتب العمل، وعند طلب تأشيرات لإحضار عمال، وجدتهم يشترطون علي توظيف عامل سعودي. ومع إيماني بصعوبة ذلك، وعدم قبول ومقدرة أي شاب سعودي على ذلك، إلا أني اجتهدتُ، ولم أجد أحداً يقبل بالعمل في "مغسلة ملابس"، وهو النشاط الذي أنوي فتحه؛ لأجد في غمرة بحثي أحد العاملين الأجانب من دولة عربية في مكتب للخدمات العامة يقول لي: "أنت إنسان صادق ونظامي، وما راح تفلح بهذا الوضع، ولا راح تنجز أمورك، وسيظل محلك مغلقا حتى إشعار آخر"!!
فقلت وقد استفزني كلامه: "كيف تقول هذا ونحن كلنا مع السعودة، وأنت يبدو أنك لا تشجع ولا تتمنى ذلك"؟!
 
فرد ساخراً: إذاً، امضِ ابحث في حال سبيلك، لكن لا تنسَ إن لم تجد عاملاً سعودياً أن تعود لي، وسأوفر لك شاباً سعودياً مباشرة، وبطريقتي الخاصة!!
قلت: وما هي طريقتك الخاصة؟!
 
فقال: عندي شاب سعودي تعطيه ألف ريال فقط شهرياً مقابل أن تسجّل اسمه وسجله المدني في التأمينات الاجتماعية، ولن يطالبك - وعلى مسؤوليتي - بأي شيء غير الألف ريال.
يقول صاحبنا: وبالفعل، وجدت نفسي مجبراً على أن أعود للمكتب وللرجل بعد فترة من البحث الضائع عن عامل سعودي يقبل بالعمل في المحل، بدلاً من بقائه مغلقاً ودفع إيجاره الباهظ بالمجان..
إلا أني سألته أولاً سؤالاً عجزت أن أجد له إجابة، وظل يشغلني كثيراً: وكيف يرضى شاب سعودي بألف ريال ونظام وزارة العمل يمنحه أكثر من ذلك؟!
 
فقال: هو يود أن يحصل على الألف ريال وهو نائم بالبيت، ولا يريد العمل والمشقة التي قد يطالبه بها غيرك؛ لذلك فهو يرضى بالألف ريال، ويضحي بالزيادة والحد الأدنى لأجور السعوديين الذي تكفله له وزارة العمل!!
 
انتهت قصة صاحبي، وعندها اكتشفت أن قرارات وزارة العمل الأخيرة، وبقدر ما هي إيجابية في ظاهرها، إلا أنها ولدت في باطنها من التحايل والتلاعب والتزوير والغش ما الله به عليم. والأدهى من ذلك كله أنها تشجّع بطريقة غير مباشرة على البطالة المقننة!!
 
 لاحظوا أننا تحدثنا عن قصة تحايل وتلاعب وسعودة وهمية واحدة فقط، وعن محل بسيط جداً، فماذا عن باقي المحال والأنشطة والمؤسسات والشركات التجارية الأخرى الأكبر في البلد؟ يا ترى ماذا يحدث فيها من تلاعب؟!
 
لذلك، وبقدر إشادتنا بوزارة العمل في خطواتها التصحيحية الحالية، وحتى لا تجهض كل جهودها، وحتى لا يستمر التستر والتحايل الحالي، ندعوها إلى إعادة النظر في بعض قراراتها الأخيرة، خاصة في قرار اشتراط السعودة في بعض مجالات العمل، التي لا تتناسب أبداً مع الشاب السعودي، ولا يمكن أن يقبل بالعمل بها، وهي كثيرة جداً، وكلنا يعرفها، ويتفق عليها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org