معرفة "تاريخ العريس" حق للفتاة أم انتهاك لخصوصية الشاب؟

"سبق" استطلعت آراء اختصاصيين وأولياء أمور وفتيات وشباب
معرفة "تاريخ العريس" حق للفتاة أم انتهاك لخصوصية الشاب؟
تم النشر في

دعاء بهاء الدين، ريم سليمان – سبق – جدة: على الرغم من نفي وزارة الداخلية ما يتداول من وجود تنسيق لها مع وزارتي الصحة والعدل لتمكين مأذوني الأنكحة من إطلاع الفتيات على السجل الأمني والقضائي والصحي لطالبي الزواج من خلال قاعدة بيانات تحوي السيرة الذاتية للعريس قبل عقد القران والارتباط. لا تزال بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الاختصاصيين الاجتماعيين، وأولياء الأمور يناقشون هذه الفكرة من مختلف محاورها بهدف التقليل من معدلات الطلاق بعد الزواج نتيجة لتفاجؤ الزوجة بحقائق لم تكن تعرفها وتجهلها عن تاريخ العريس. 

"سبق" استطلعت آراء شباب وأولياء أمور وفتيات واختصاصيين حول هذه الفكرة.  وتباينت آراؤهم حيث رآه البعض حقاً من حقوق المرأة، واعتبره آخرون اختراقاً للخصوصية وانتهاكاً للستر الذي أمر الله به، فيما طالب آخرون بمعاملة الفتاة بالمثل، والتعرف على ماضيها الصحي والجنائي. 

احترام الحقوق

رأى منصور ناصر الحربي "معلم في الجبيل الصناعية " أن هذا من أبسط حقوق العروس حتى تتعرف على حقيقة زوجها، وكي لا تتفاجأ بأشياء لم تكن في الحسبان بعد الزواج، موضحاً أنه إذا كان الشاب مدمناً مثلاً أو لديه قضية سابقة؛ ثم تاب وعاد إلى رشده، فيتضح لأهل عروسه ذلك حتى يكونوا على بيّنة من أمرهم.

وعن رأيه في معاملة الفتاة بالمثل قال: لا أجد حرجاً في السؤال عن الأشياء التي تؤثر في العلاقة الزوجية كالأمراض المعدية أو الإدمان، أما التفاصيل فلا داعي لمعرفتها، معللاً ذلك بقبول الرجل للمرأة في الحياة الزوجية، ومع مرور الأيام قد يجد ما يعكر صفو الحياة واستقرارها، وهذا سواء للسؤال عن الرجل أو المرأة.

وقال سعيد العرابي "تعليم جدة": من حق الطرفين معرفة كل شيء عن بعضهما  قبل الزواج، شريطة السرية واحترام الحقوق، مبيّناً أن هذا العدل في تطبيق الحقوق بشكلٍ متوازن بين كل الأطراف، واعتبر ذلك استكمالاً للفحص الطبي الذي يتم ما قبل الزواج، وأبدى استعداده للزواج من الفتاة المريضة التي تم شفاؤها، بيد أنه رفض التغاضي عن أي عيوب أخلاقية للفتاة، مسترشداً بقول الرسول "تخيروا لنطفكم".

ورحب عبد الله عنايت "مدير بإحدى شركات العلاقات العامة" بهذه الدراسة لكلا الطرفين، مطالباً المجتمع بمعاملة المرأة بالمثل، وقال: المجتمع يغفر ماضي الرجل، ولكنه يحكم بالإعدام على المرأة إذا كانت لها ماضٍ، ورأى أنه ليس من العدل أن يطالب الرجل بامرأة محافظة، وهو يفعل عكس ذلك، وعن رأيه الشخصي في ماضي الفتاة قال: سأنسى ماضيها إذا كانت صادقة، شريطة عدم العودة إليه.

"المجتمع مو ناقص عنوسة " بهذه الكلمات بدأت سمر خان "خريجة جامعة"حديثها قائلة: أرفض هذه الفكرة، فقد يكون للعريس ماضي ولكنه تاب، وتتقبله الفتاة، لكن أهلها يرفضونه، لبعض سلبيات ماضيه، وهذا يزيد من ارتفاع معدل العنوسة، وفضّلت الاكتفاء بالسؤال عن الشاب في محيط أصحابه وجيرانه والمسجد، مستبعدة أن يكذب الكل، وقالت: مستحيل أن يكون الشاب مجرماً، ويخفي أهله الحقيقة عن أهل العروس، فهناك أشياء بسيطة يمكن لأهل العروس التغاضي عنها، خصوصاً إذا كان العريس التزم وتاب.

وأكّد المهندس أحمد عمر الدعيق أن هذه الدراسة لحماية مستقبل الفتاة، مشدداً على ضرورة معرفة الفتاة للزوج الذي سوف يشاركها الحياة، وقال: لا أمانع إذا تقدم لابنتي شاب تاب إلى الله وتخلص من ماضيه، وعلمت من المحيطين به بصدقه في توبته، وتعامله الإيجابي مع الآخرين.

وطالب الأب سعيد أحمد الزهراني "موظف متقاعد بمطار الملك عبد العزيز الدولي" بالتطبيق الفوري لهذه الدراسة، مستعرضاً تجربته المريرة مع ابنته المطلقة، وقال: زوجت خمس بنات وكانت زيجاتهن ناجحة ولله الحمد، بيد أن في زيجة ابنتي الأخيرة، وقعنا فيما لم نتوقعه إطلاقاً، ولعل هذا من أسباب عدم توفر المعلومات الكافية والثقة في الأسماء الأسرية.

ورأى أن معرفة تاريخ الزوج يفيد الشباب، مشترطاً أن تتضمن السلوكيات المعيبة التي قد تعيق استمرار الحياة بين الزوجين، وقال: يجب أيضاً أن تكون وفق الضوابط الشرعية التي تمنح فرصة التوبة إلى الله، كما يجب أن تتوافق مع العادات والتقاليد، ولا نكون مقلدين لغيرنا ممن لا يهتمون بالدين أو العرف الاجتماعي.

وبمشاعر الأم تحدثت فاطمة محمد المشولي "بكالوريوس علم نفس" لـ"سبق" قائلة: أوافق أن يكون لابني سجل صحي فقط، وليس "قضائي"، فلكل شاب ماضيه، وطالما تاب أو تم شفاؤه، فعلى المجتمع أن يتقبله، وردا عمن يطالب بمعاملة الفتاة بالمثل رفضت بشدة قائلة: من الصعب جداً تطبيقها على الفتاة، لأن المجتمع سيظل يوصمها بماضيها؛ حتى وإن تابت، وأبدت مخاوفها من عدم زواج الفتاة في هذه الحالة.

كشف الستر

التقت "سبق" عضو المحكمين في المملكة المأذون الدكتور أحمد المعبي، والذي رفض تماماً عرض صحيفة سوابق الزوج، وقال: لقد سمى الله تعالى نفسه بالستار، وما تقوله الدراسة يتنافى مع صفة الستر، فالزواج مودة ورحمة وليس اطلاعاً على الأسرار، كما أن هذه التصرفات تؤدي إلى التضييق على الشباب.

واعتبر ماضي الزوج ملكاً له فقط وليس من حق الزوجة أن تطلع عليه إلا بإرادته، وتعميم تلك الأفكار يؤدي إلى إعاقة الزواج، مكرراً أن خلو صحيفة سوابق الشاب لا تعني بالضرورة استقامة الرجل، كما رأى أنه من الصعب تحقيقها على أرض الواقع لما فيها من إهانة للرجل ونزع الثقة منه.

فيما رأى أنه من حق الزوجة معرفة هل هو متزوج وله أبناء أم لا، وذلك بالتعرف على السجل المدني إن كان متزوجاً أم لا، منهياً حديثه بالتأكيد أنه في حالة تطبيق مثل هذه الخطوة سوف لا نجد رجلاً خالياً من العيوب إلا من رحم ربي، واسترشد بالحديث الشريف: "من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". 

صمام أمان للفتاة

واعتبر عضو برنامج الأمان الأسري الوطني عبد الرحمن القراش هذه خطوة جريئة ورائدة، في مجتمع عُرف باضطهاد رأي المرأة وقناعتها بالاختيار، معرباً عن تأييده لوجود قاعدة بيانات مرتبطة بالداخلية والصحة، لتكون الفتاة على اطلاع تام بسيرة الشاب المتقدم إليها، وقال: نحن لا نشكك في الأهل، فأغلب الآباء يعتمد في اختياره لزوج ابنته على ما يملكه الشاب من مال، وسيرته بين أهله وفي وظيفته، وإن لم يبحث عن المال؛ فإنه سيبحث عن الملتزم دينياً. 

ورداً عمن يتوقع بارتفاع معدل العنوسة قال: لاشك أن هذه الخطوة ستكون بإذن الله صمام أمان للفتاة التي تنشد السعادة  بنسبة 70 % على أقل تقدير، موضحاً أن هذه الخطوة ستجعل الأب ملمّا بجميع جوانب العريس؛ بعيداً عن الوظيفة والمادة والتدين، بيد أنه أبدى مخاوفه أن تكشف واقع الكثير من الشباب، وقال: أخشى أن يؤدي هذا إلى مبدأ "التحجير" البنت لابن عمها، خوفاً من الفضائح العائلية، في حالة إذا ثبت أن المتقدم ماضيه "أسود".

وحذّر القراش من تدخّل الواسطة أثناء إدخال البيانات، إن لم يتم ضبط الموضوع وربطه بالجهات الأمنية، ومعاقبة من يتلاعب بالبيانات سواء كان من أهل الشاب أو مأذون الأنكحة، ولم يقلل من أهمية وجود قاعدة بيانات للفتاة مثل الشاب، وقال: ليس عيباً أن تكون واضحة للشاب، وإن كانت أقل أهمية؛ لقلة خروج الفتاة، واحتكاكها بالمجتمع، وأعرب في ختام حديثه عن أمله أن تكون هذه الخطوة إيجابية وتؤثر مستقبلاً في المجتمع.

اختراق للخصوصية

ورفض الكاتب في صحيفة الوطن علي الشريمي الربط بين حدوث الطلاق والسجل الجنائي للزوجين، مشيراً إلى حدوث حالات الطلاق بين أزواج متعلمين، وسجلهم الجنائي نظيف، بيد أنهم غير مؤهلين للزواج، وتساءل: أين المساواة بين الرجل والمرأة؟ وقال: من حق الزوج أيضاً التعرف على سجلات زوجته، فالدراسات تشير إلى أن أكثر من 70 % من المرضى الذين يترددون على كثيرٍ من العيادات النفسية في السعودية نساء، لافتاً أيضاً إلى زيادة نسبة المدمنات، إذ وصلت النسبة إلى أكثر من 30 % في إحصائية أعلنتها مستشفى الأمل لعلاج الإدمان، بالإضافة إلى آخر إحصائية عن المدخنات في السعودية، والتي بلغت أكثر من مليون مدخنة، وكذلك ظاهرة "المسترجلات" و"الأيمو" التي بدأت تتزايد، والتي تؤثر سلباً على الحياة الزوجية، كل هذه الحالات تؤكد أن المسألة لا تنحصر في طرف دون طرف.

ورأى – بحسب قوله – أنها خرقٌ واضح لكرامة الإنسان وللخصوصية الفردية التي أقرتها المنظمة الدولية لحقوق الإنسان ، - والتي تعد السعودية أحد أعضائها- ، "مؤكّداً أن الشاب لا يرضى لأي شخص أن يتعرف على خصوصيته، وقال: هو فقط من يكشف خصوصياته لزوجته اختيارياً وليس إجبارياً، وسخر قائلاً: ستتيح لعائلة الزوجين ومأذوني الأنكحة معرفة ماضي الشاب، وبعد فترة - الجيران- أيضاً ستتعرف على ماضي الشاب؛ وبالتالي سيحسب هذا الشاب ألف حساب قبل الزواج وسيقول ببساطة "ألزم ما على الإنسان كرامته".

تجربة ماليزيا

ولفت الشريمي إلى أن المشكلة في الدراسات التي تقترحها وزاراتنا أنها تركز على جانب وتهمل بقية الجوانب، فلا يمكن أن نتعامل مع الرباط المقدس بعقلية "ساهر والمخالفات المرورية"، مؤكّداً أنه ما زالت تنظر للرجل على أنه درجة أولى "لا يعيبه شيء"، حتى وإن فضح أمره فهو في النهاية رجل، وتحدث عن المرأة قائلاً: أما المرأة فهي العيب كل العيب، حتى إنها إذا أخطأت تنطلق مسائل الشرف والعفة والستر، وكأنها تريد القول إن الستر للنساء فقط، وتساءل إذن فلماذا تغيب الإحصائيات والدراسات تحت غطاء "الخصوصية " في مناقشة ظاهرة المسترجلات مثلاً؟ ولانخفاض معدلات الطلاق أقترح الاستفادة من تجربة ماليزيا مع الحالات المتزايدة للطلاق، وقال: في بداية التسعينيات من القرن العشرين، وخلال 10 أعوام فقط انخفضت النسبة من 32 % إلى 7 %، موضحاً أن ماليزيا ألزمت كل متقدم للزواج من الجنسين؛ أن يُقدم للقاضي الشرعي شهادة "رخصة الزواج" من وزارة الشؤون الاجتماعية؛ تفيد بأنه حصل على دورات متخصصة في الحياة الزوجية، يُعفى فيها الزوجان من العمل لمدة شهر، وها هي اليوم تعد من أقل دول العالم في نسبة الطلاق.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org