أكد مشاركون بمؤتمر "الإعلام الجديد واللغة العربية" والذي افتتحه نائب أمير المدينة الأمير سعود بن خالد الفيصل وتنظمه الجامعة الإسلامية، أن الوسائل الرقمية ليست جنساً أدباً؛ بل هي منافذ جديدة لعرض الأدب عبر وسيط جديد. منتقدين توجه بعض الجامعات بجعل الأدب التفاعلي مادة مستقلة وقسيمة لمقررات الأدب الأخرى.
وذكر الخبراء أن اللغة العربية تعاني في مؤسّساتها العلمية الحاضنةِ لها قبل أن تنتقل المعاناة إلى منصات الإعلام، مشيرين إلى أن تسمية الإعلام المعاصر بـ "الجديد" هي تسمية جائرة تضيع جهود الإعلام السابقة واللاحقة للعصر الحاضر، مطالبين بتكوين مؤسَّسات لحماية اللّغة العربيَّة والدِّفاع عنها في مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، بجانب إنشاء قواميس عصريَّة لمعرفة المفردات والمصطلحات.
ففي بداية الجلسة الأولى، دعا الأستاذ المشارك بجامعة طيبة وجامعة القاهرة الدكتور أحمد حمودة موسى إلى إنشاء مستودع رقمي ضخم للنصوص الأدبيّة العربيّة المسموعة، وبناء منصة إلكترونية لإكساب المتلقّي الملَكة الإعرابية.
فيما أكد أستاذ النحو والصرف وفقه اللغة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد بن محمد العضيب على أن اللغة الإعلامية ضعيفة لمخالفتها الفصحى، وميلها إلى العاميات، وإلى الأخذ من اللغات الأجنبية دون أي ضوابط أو قواعد، موضحاً أن ذلك يشكل خطراً على اللغة العربية، وزاد: من أبرز المعوقات عدم اهتمام المسؤولين الرسميين بهذه الفوضى اللغوية.
وقال أستاذ اللغويات المساعد بكلية الآداب في جامعة الجوف أحمد بن مضيف السفياني إن من خصائص مواقع التواصل الاجتماعي، عدم الاهتمام بالقواعد اللغوية ومراعاتها؛ لأن المرسل والمتلقي يهتمان بإيصال الفكرة، وإن ضاعت قواعد اللغة كلها، بالإضافة إلى خلط اللغة العربية بالإنجليزية، واستخدام اللهجة العامية.
في حين ذكر الإعلامي حسن محمد مشهور أن وزارة الإعلام نجحت في الحد من فوضى النشر الإلكتروني، وتقنين وجوديتها عبر إصدارها اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني؛ إلا أن ذلك الشق المتعلق باللغة التعبيرية الموظفة في هذه الصحف أو جودة كتابتها لم يتم التطرق إليه البتة في هذه اللائحة التي حوت 17 مادة.
من جانبه، نبه الأستاذ المساعد بكلية الآداب بينبع وكلية دار العلوم جامعة القاهرة الدكتور خالد محمد صابر إلى توظيف كثير من الجماعات السياسية المصطلحات الدينية في تسميتها بهدف تحقيق السيطرة والتوجيه، فيما أكدت الدكتورة خديجة عنيشل عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بجامعة الجوف على أن التكنولوجيا الإعلامية أضحت من أهم المؤثرات بشكلٍ مباشر على الميزان اللغوي العربي الذي يستمدّ حمولتَه المعرفية من المعجم العربي الفصيح، مما يشكَّلَ تحدياً كبيراً للغة المتخصصة.
من جانبه، استعرض الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور عبدالفتاح محمد حبيب تجربة "جمعية سيبويه" الافتراضية على تطبيق الـ"واتساب"، والتي تضم عدداً من الأستاذة والمتخصصين في مجال اللغة، منوهاً بدورها في تصحيح كثير من الأخطاء الشائعة والتفاعل اللغوي الذي يجمع مهتمين من كافة أقطار العالم.
وفي بداية الجلسة الثانية، أشارت الأستاذ المشارك بجامعة طيبة الدكتورة زينب أحمد أبوالنجا إلى قضية الازدواج اللغوي وضعف الأداء في لغة الشباب على صفحات "الفيس بوك" سواء في المستوى الصوتي، أو الصرفي، أو النحوي، أو الدلالي.
وأبان أستاذ الأدب والنقد المساعد بجامعة المجمعة د. طنف بن صقر العتيبي أن خطاب الإعلام الجديد يتسم بالإيجاز والسرعة والتكثيف، بجانب انفتاحه على روابط شبكية تضمن له بقاءه واستمراريته، وترسم آفاقه النصية والدلالية.
في حين أوضح د. عامر الحلواني الأستاذ بجامعة الملك فيصل أنّ اللغة العربية تعاني في مؤسّساتها العلمية الحاضنةِ لها: ابتدائيةٍ وإعداديةٍ وثانويةٍ؛ لأن أغلب طلبة الدراسات العليا معلمون ومدرسون بالمدارس الإعدادية والثانوية، وهي تعاني من مشاكل وصعوباتٍ تهدّد كيانها ووجودَها.
كما لفت د. محمد بن يحيى آل عجيم أستاذ الأدب والبلاغة المساعد بجامعة بيشة، إلى أن الصحافة الإلكترونية في المملكة أبرزت ظاهرة الجمل القصيرة في العربية بوصفها ظاهرة أسلوبية لافتة، ساعدت على عودة الإيجاز بوصفه قيمة بلاغية وفنية.
من جانبه انتقد د. محمد بن عبدالله الغامدي أستاذ الأدب والبلاغة المشارك بجامعة الباحة تسمية الإعلام المعاصر بـ "الجديد"، وقال إنها تسمية جائرة تضيع جهود الإعلام السابقة واللاحقة للعصر الحاضر، مقترحاً تسميته بالإعلام المعاصر خروجاً من هذا الحرج.
وأفاد د. محمد بن حمود حبيبي أستاذ الأدب والنقد المشارك بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جازان بأن الأجهزة الذكية جعلت من كل فرد في المجتمع ناشراً وإعلامياً مسؤولاً عن إدارة محتواه النشري.
وفي بداية الجلسة الثالثة، دعا الدكتور إبراهيم بن عبدالله الغانم السماعيل أستاذ البلاغة والنقد المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى الاهتمام بمنصة تويتر؛ لاشتمالها على أوجه من الأدب الجديد، على أن تقام دراسات للوقوف على خصائص الأدب الرقمي، مع أهمية التمييز والتمحيص بين الأدب الرقمي والأدب الورقي.
وقال الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. صالح بن عبدالعزيز المحمود إن الإعلام الجديد منح التجربة الأدبية فرصاً متعددة لانتشارٍ أكبر، ومقروئيةٍ أوسع، مضيفاً أن أكبر المآزق التي يمكن أن تواجه الإبداع الكتابي المنشور عبر وسائط الإعلام الجديد هو مأزق الرؤية؛ ذلك أن كثيراً من الإغراءات قد تهوي بالمبدع دون وعي إلى هوّة سحيقة من التسطيح والسذاجة والفقر الرؤيوي، دون أن يشفع له شيوع النص أو انتشاره أو كثرة قرّائه.
فيما رأت عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز د. صلوح بنت مصلح السريحي الحاجة إلى عصرنة التراث الثقافي بغية تأصيل الثقافة الحاضرة من جانب، وإحياء التراث القديم من جانب أخر.
وذكر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز د. عادل خميس الزهراني أن الكتاب الرقمي يعد آخر صيحات التطور التكنولوجي للنشر، فهو يمثل جسراً بين عالمين، كما يلمح إلى استمرار هيمنة الوعاء التقليدي (الكتاب) على وظيفة التوثيق لألوان المعرفة والفنون.