بين مجزرة القرامطة وداء "الماشري" .. رسائل 40 عاماً من توقف الحج: الأرواح أولاً

أوراق التاريخ تكتب عن تعطل الفريضة بفعل الأوبئة والحروب .. والعلماء يقولون كلمتهم
بين مجزرة القرامطة وداء "الماشري" .. رسائل 40 عاماً من توقف الحج: الأرواح أولاً
تم النشر في

جاء قرار المملكة بتعليق العمرة حرصاً على صحة مليار مسلم يتوافد منهم الملايين سنوياً إلى مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة لأداء الحج والعمرة، في تجمعات بشرية حاشدة قد تكون مهيّأة لانتقال الأمراض الفيروسية المعدية بسبب طبيعة أداء الفريضة.

وحين نقلّب أوراق التاريخ نكتشف أن مناسك الحج والعمرة توقفت في أزمنة سابقة قرابة 40 مرة، وكان انتشار الأمراض والأوبئة والاضطرابات السياسية أحد أسبابها الرئيسة.

آنذاك، لم يكن هناك موسم للعمرة منفصل عن الحج، لصعوبة الطرق واحتياج القوافل إلى أشهر عدة للوصول إلى مكة المكرّمة، لذلك كان المسلمون يحرصون على أداء العمرة تزامناً مع حضورهم لفريضة الحج.

ويؤكّد التاريخ الإسلامي، أنه منذ العام التاسع للهجرة وهو العام الذي فُرض فيه الحج على الناس تمّ تعطيل الفريضة لنحو 40 مرة، وفقاً للموقع الإلكتروني لدارة الملك عبدالعزيز، وكانت المرة الأولى، بسبب القرامطة، في أحداث سنة 316 هجرية؛ لأن القرامطة كانوا يعتقدون بأن شعائر الحج، من شعائر الجاهلية ومن قبيل عبادة الأصنام.

جريمة القرامطة

فى هذا التوقيت، وقف أبو طاهر القرمطي، منشداً على باب الكعبة يوم الثامن من ذي الحجة سنة 317 هجرية، داعياً سيوف أتباعه أن تحصد حجاج بيت الله قتلاً ونهباً وسفكاً، في الوقت الذى كان يشرف هو بنفسه على هذه المجزرة المروِّعة وينادى أصحابه "أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار، ودكوا أركان الكعبة، واقلعوا الحجر الأسود".

ويومها تعلّق الحجاج بأستار الكعبة واستغاثوا بالله، فاختطفتهم سيوف هذا الطاغية من كل جانب، واختلطت دماؤهم الطاهرة وأجسادهم المحرمة، بأستار الكعبة، حتى زاد عدد مَن قتل في هذه المجزرة على 30 ألفاً، دُفنوا في مواضعهم بلا غسل ولا كفن ولا صلاة.

توقف السنوات العشر

كما قام القرامطة بجمع 3 آلاف جثة حاج وطمروا بها بئر زمزم وردموها بالكلية، ثم قاموا بعد ذلك بقلع الحجر الأسود من مكانه وحملوه معهم إلى مدينة "هجر" بالبحرين؛ حيث كانت مركز دعوتهم وعاصمة دولتهم، وكان "أبو طاهر" قد بنى بها داراً سمّاها دار الهجرة، فوضع فيها الحجر الأسود ليتعطل الحج إلى الكعبة ويرتحل الناس إلى مدينة "هجر"، وتعطل الحج في هذه الأعوام (يُقال إنها 10 أعوام)، حيث لم يقف أحدٌ بعرفة ولم تؤد المناسك، وذلك لأول مرة، منذ أن فُرضت الشعيرة.

داء الماشري

الحادث الثاني، يذكره "ابن كثير" في "البداية والنهاية"، ويرجعه لسنة 357 هجرية، ويقول إن داء الماشري انتشر في مكة المكرّمة، فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج في الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة المكرّمة إلا القليل؛ بل مات أكثر مَن وصل منهم بعد الحج".

وفى سنة 390 هجرية انقطع الحاج المصري في عهد العزيز بالله الفاطمي لشدة الغلاء، وفي سنة 419 هجرية لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر، وفي سنة 421 هجرية تعطل الحج أيضاً سوى بعض من أهل العراق ركبوا من جمال البادية من الأعراب ففازوا بالحج، وفي سنة 430 لم يحج أحدٌ من العراق وخراسان، ولا من أهل الشام ولا مصر.

فقدان الأمن

وفي أحداث سنة 492 هجرية حلّ بالمسلمين ارتباك وفقدان للأمن في أنحاء دولتهم الكبيرة بسبب النزاع المستشري بين ملوكهم، وقبل سقوط القدس في يد الصليبيين بخمس سنوات فقط لم يحج أحدٌ لاختلاف السلاطين.

أما في أحداث سنة 563 هجرية، فلم يحج المصريون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين، وبعد ذلك لم يحج أحدٌ من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية، وفى 1213 هجرية توقفت رحلات الحج في أثناء الحملة الفرنسية لعدم أمان الطريق.

جواز التعطيل

هذه التوقفات المتكررة فتحت باباً للتساؤل، وجعلت الكثيرين يتساءلون عن: هل بالإمكان شرعياً جواز تعطيل موسم الحج لأسباب تحول دون إتمامه؟ وجاءت إجابة علماء المسلمين وفقاً للكتاب والسنة، مشيرين إلى أن حكم الحجّ الوجوب على كلّ مسلم بالغ عاقل مع شرط الاستطاعة بدنيّة كانت أم ماليّة، مشددين على أن كل مَن تعذّر عليه بدنيّاً أو ماليّاً وأصبح لا تتوافر لديه تكلفة الحج يكون غير مطالب بهذه الفريضة إلى حين توافرها، وأكّدوا أنه يجوز تعطيل الفريضة لأسباب كبرى تحول دون إتمامها، كفقدان الأمن أو انتشار الوباء في مكة المكرّمة، مشددين على أهمية فقه ترتيب المقاصد‏، في أن حفظ النفس مقدم عند وقوع المخاطر في المضي في الحج.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org