ها هو الإعلامي المدلل جورج قرداحي يقلب الحقائق في حرب اليمن ليقول بكل مخادعة إنها حرب عبثية، وإن ميليشيات الحوثي الإيرانية تدافع عن نفسها، وينحاز لذلك المشروع الطائفي، ثم يهمز ويلمز في السعودية والتحالف بكل صفاقة، وكأنه يريد من السعودية أن تضع رِجلاً على رِجل لحين استيلاء تلك الميليشيات الإيرانية على السلطة في اليمن، وتهديد أمن السعودية وأمن المنطقة كلها.
ثم يبدي هذا المدلل مزيدًا من سوءته وعبثيته في تصريح آخر بعد توليه وزارة الإعلام اللبنانية؛ ليبرر ما قاله سابقًا في مهاترة صحفية تتعارض مع أبجديات الظهور الإعلامي لأي وزير محنك. ويبدو أنه اعتقد أنه في أحد برامجه الإعلامية التي يقدمها، وليس منصبًا سياسيًّا؛ يحتاج إلى التعقل والاتزان، ومراعاة مصالح بلده، والتوافق مع مواقف الحكومة اللبنانية المعلنة والرافضة لميليشيات الحوثي، وتأكيدها على وجود حكومة شرعية معترف بها دوليًّا.
ومما ذكر في تصريحه المشين العبثي أنه "لا يجوز أن نظل في لبنان عرضة للابتزاز من أي أحد، لا من دول، ولا من سفراء، ولا من أفراد". وهنا لا أدري كيف يتحدث هذا المبتدئ في عالم السياسة؟ ألا يعلم أن العالم بأسره، وليست السعودية أو دول الخليج وحدها، تعلم يقينًا أن من أتى به على سدة وزارة الإعلام ليست سوى إيران عبر ميليشيات ما يسمى ظلمًا وعدوانًا بـ "حزب الله"، ومن معهم من خيلها ورَجِلها؟!!
يعيث ذلك الحزب الإيراني في لبنان الفساد، يسلب الأموال، ويسيطر على موارد الدولة، ويسومهم سوء العذاب، يُفجِّر ويقتل ويغتال مَن يشاء كيفما شاء، ويتلاعب ببعض الوزراء كقطع الدومينوز، ثم يأتي ليقول لسنا عرضة للابتزاز؟ مهاترات إعلامية عبثية، لا يمكن أن تحجب الحقيقة المرة التي يعلمها قرداحي قبل أن يعلمها غيره. فهل يعتقد أن عقول السعوديين، والعرب كلهم، بهذه الهشاشة من التفكير لتصديق ذلك؟! فأي عهر سياسي يمارسه؟
على كلٍّ، شكرًا لقناة المكر والخداع "قناة الجزيرة"، التي فضحتك على الملأ عبر برنامجها "برلمان شعب"، وقد كان برنامجًا شؤمًا على شؤم عليك؛ فبعد مهاتراتك فيه، والانحياز الطائفي للميليشيات الحوثية، ينتهي البرنامج بتعريتك من قِبل شباب عربي في مقتبل العمر، واعٍ ومثقف، لم يعد ينطلي عليه "فذلكاتك الإعلامية"، وكلامك المعسول ظاهرًا والمسموم باطنًا. وربما هو نذير شؤم بتنحيك عن منصبك.
أيها المدلل، كيف عمي بصرك عن إيران عندما أرادت أن تتبرع للبنان فلم تجد سوى بضعة صهاريج من الوقود التي ظل زعيم الحزب المشؤوم يتغنى بها صباح مساء؟!! في حين أن السعودية قدمت عشرات المليارات حبًّا وإخاء للشعب اللبناني دون ضجيج إعلامي.
ثق تمامًا أيها الوزير المدلل أن علاقتك بذلك الحزب أقرب لزواج المتعة؛ فسرعان ما سيلفظونك ويرمون بك خارجًا عندما تنتهي مهمتك لديهم.
وأنا أكتب هذا المقال لاح في ذهني المثل الإيرلندي الذي يقول: "من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن".
ومن باب إحقاق الحق، فلا أنكر أنه إعلامي مميز، لكن ليته بقي على ذلك، وبقي في برنامجه المشبوه "المسامح كريم"؛ ليستعرض أمام الملأ الخيانات الزوجية بين الزوجين، والصراخ والعويل والفضائح بين الطرفين في مشاهد تمثيلية مدفوعة الثمن؛ لتجييش العواطف، وجلب أكبر عدد من المشاهدين، والعمل وفق مفهوم جحر الضب، واستلاب بعض البرامج الغربية المهددة للقيم، ومحاولة تطبيعها في مجتمعاتنا العربية.
وبلا شك، هناك العديد من الدروس والعِبَر في هذا العهر السياسي. وبداية، دعونا نتفق أن مثل هؤلاء ممن يُظهرون غير ما يُبطنون موجودون بين أظهر إعلامنا، ممن نعرفهم بسيماهم ومن لحن القول، وفلتات اللسان، فهل سنظل نُربِّي فيهم ونطعمهم حتى إذا كبروا أبدوا كراهيتهم وحقدهم وسلقونا بألسنة حداد؟ الحقيقة المؤلمة أن هؤلاء ظهروا واشتهروا بأموال سعودية عبر مؤسسات سعودية.
وفي اعتقادي إن هناك العديد ممن هم على شاكلته، أشخاصًا كامنين صامتين إلى حين، يقفون خلف العديد من الإنتاج الإعلامي العربي، قد يكونون على هيئة كاتب سيناريو، أو مخرج، أو ممثل، أو منتج، أو مقدِّم برامج، وغيرهم، يمررون خفية ما يتوافق ومصالح إيران الطائفية عوضًا عن الصدام مع قيمنا وثقافتنا السعودية، بل تشويه صورة المواطن السعودي أمام العالم. ألا يحتاج ذلك إلى وقفة صارمة وحازمة لمعالجته؟
ولعل هذا الموقف يجعلنا نطالب بعض المؤسسات الإعلامية المحسوبة على السعودية بتبني مبادرات لاكتشاف الكفاءات الإعلامية الوطنية المميزة والمحترفة؛ ليكونوا في سدة البرامج الحوارية والثقافية والسياسية التي تشكل الرأي العام، وأن يصبح ذلك لزامًا لا خيارًا.
سئمنا حصر السعوديين للظهور الإعلامي في مسلسلات التهريج والسفه، أو الإرهاب والتشدد، أو القتل والبلطجة، أو برامج حوارية سطحية، أو تغطيات سمجة لبعض المشاهير!