

في ظل التسارع المتنامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يتجدد الجدل حول مستقبل مهنة التعليم وإمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي بديلاً عن المعلم داخل الفصول الدراسية، وسط مخاوف من تأثيره على الوظائف التعليمية، مقابل آمال بتطوير العملية التعليمية ورفع كفاءتها. وأكد أكاديميان وخبراء تربويون لـ«سبق» أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة مساندة وداعمة لا غنى عنها، لكنه لا يمكن أن يحل محل المعلم الإنسان.
أكد الدكتور مسفر بن سعود السلولي، مدير مركز التميز البحثي في تطوير العلوم والرياضيات وأستاذ تعليم الرياضيات بكلية التربية، أن الذكاء الاصطناعي بات واقعًا حاضرًا في مختلف القطاعات، بما فيها التعليم، مشددًا على أن دوره يجب أن يكون تكامليًا لا إقصائيًا.
وأوضح السلولي أن الجلسة العلمية التي ناقشت «التعليم المنافس والذكاء الاصطناعي» شهدت تقديم أربع أوراق علمية من مختصين وأكاديميين تناولت آليات توظيف الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، لافتًا إلى أن المشاركين أجمعوا على أنه «أداة مساعدة داعمة ورافعة للعمل التعليمي، ولا يمكن أن يحل محل المعلم».
وأضاف: «يبقى الجانب الإنساني والتربوي حجر الزاوية في التعليم، وهو ما لا تستطيع الآلة تقديمه مهما بلغت قدراتها التقنية»، مؤكدًا ضرورة التعامل مع التقنية بوصفها وسيلة تخدم أهداف التعليم ولا تنتقص من دور المعلم.
وأشار السلولي إلى أن المهام التي تتطلب التفكير الإبداعي، والتفاعل البشري، واتخاذ القرارات التربوية المعقدة، ستظل حكرًا على المعلم الإنسان، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي قد ينجح في تقديم المحتوى أو تحليله، لكنه يعجز عن بناء القيم وغرس المبادئ وفهم الفروق الإنسانية الدقيقة بين الطلاب.
وقال: «قد يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في بعض المهن، لكن التعليم له خصوصية إنسانية وتربوية عميقة لا يمكن للآلة تعويضها».
وتطرق السلولي إلى دور مركز التميز البحثي في تطوير العلوم والرياضيات، مبينًا أنه تأسس عام 2008 ويُعد المركز الوحيد من نوعه في الجامعات السعودية والعربية، ونشر أكثر من 240 ورقة علمية في مجلات محكمة ومصنفة عالميًا (ISI).
وأوضح أن المركز يعمل بشراكات فاعلة مع وزارة التعليم، وهيئة تقويم التعليم، ومؤسسة «موهبة»، في مشاريع تطوير المناهج، خصوصًا للطلبة الموهوبين، مشيرًا إلى أن المؤتمر الحالي هو الخامس ضمن سلسلة مؤتمرات تهدف إلى تطوير تعليم العلوم والرياضيات في التعليمين العام والعالي.
وكشف السلولي عن إطلاق مبادرة «نسمو» الهادفة إلى إنشاء أولمبياد وطني في العلوم والرياضيات، ليكون منصة تنافسية لاكتشاف المواهب الوطنية وتأهيلها للمشاركات العالمية، مؤكدًا أنها تسد فجوة قائمة في المنظومة التعليمية.
من جانبه، قال الدكتور محمد بن عبدالله الزيد، أكاديمي وباحث في علوم الحاسب ورئيس مكتب الذكاء الاصطناعي بجامعة الملك سعود، إن استضافة الجامعة لمؤتمر «نحو مستقبل التعليم المنافس عالميًا» تأتي في إطار مواكبة التحولات العالمية واستثمار الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.
وأوضح الزيد أن مكتب الذكاء الاصطناعي شارك بورقة علمية تناولت التوجهات الحديثة لتطوير العملية التعليمية في عصر الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أهمية توظيف هذه التقنيات بذكاء لدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وأضاف: «الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير المناهج والبرامج الأكاديمية، ورفع كفاءة الإنفاق، وإعداد كوادر وطنية قادرة على المنافسة عالميًا».
وشدد الزيد على أن دور المعلم لم يعد مقتصرًا على تقديم المحتوى، بل أصبح أكثر عمقًا في بناء الشخصية وتعزيز القيم وتنمية مهارات التواصل والتفكير، وهي مهارات لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها.
وأكد أن المستقبل سيشهد تقاربًا أكبر بين الإنسان والآلة، إلا أن النجاح الحقيقي يكمن في وعي المعلم بدوره الجديد وقدرته على التكيف والتعلم المستمر، واستثمار أدوات الذكاء الاصطناعي بوصفها معينًا لا بديلاً.
واختتم الأكاديميان بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي سيكون محركًا رئيسيًا لتطوير التعليم، شريطة توظيفه ضمن إطار إنساني وتربوي متوازن، يجعل المعلم محور العملية التعليمية، والتقنية شريكًا داعمًا، بما يواكب طموحات المملكة ومستقبل أجيالها.
يُذكر أن مؤتمر «نحو مستقبل تعليمي منافس عالميًا»، الذي نظمته الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) ومركز التميز البحثي في تطوير العلوم والرياضيات (أفكر)، أُقيم في جامعة الملك سعود خلال الفترة 3–4 / 7 / 1447هـ الموافق 23–24 / 12 / 2025م، ويهدف إلى تبادل الخبرات واستشراف التوجهات المستقبلية للتعليم، وتعزيز الشراكات الأكاديمية بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.