تناولت الأمثالُ القرآنية شؤمَ المعاصي وقبح آثارها على العبد، وأنها تورث صاحبَها الذلَّ والهوان، وتسبّب سواد القلب وظلمته، حتى يُصبح الذنب عليه يسيرًا. كما قَرَنَ الله، سبحانه، بين التوبة وترك المعاصي، وبيّن العلاقة بينهما في العديد من الآيات بكتابه الكريم.
وتستضيف "سبق" عبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، طوال الشهر الكريم، الباحثَ الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضًا من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري" بقوله تعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، ويضرب الله هذا المثل تنبيهًا للعباد بالفرق بين الهدى والضلالة، موضحًا ذلك بما يعرفونه ويدركونه؛ فكما أن الليل والنهار والظلمة والنور، وكذلك الأحياء والأموات، لا يستويان، فكذلك من معه نور الهداية، ومن هو واقع بالكفر والمعاصي، وهو عظة للمؤمنين وتهذيب لأعمالهم، وتوبيخ للعاصين؛ قال ابن كثير، رحمه الله: "هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا، أي: في الضلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله".
وأضاف الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية: يأتي من فوائد هذه الآيات، نعمة إنزال القرآن، وأنه نور وهداية للخلق؛ قال، تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا"، وقال: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ".
واصل بقوله: البَون الشاسع، أي "البُعد"، بين قلب استضاء بنور الوحي، وبين قلب أظلم بالمعاصي والذنوب! فالأول على هدى من ربه، والآخر في ظلمات الهم والحسرة ويوم القيامة في الخسران المبين. كما أن الإيمان حياة، وبدونه ضياع القلب وتشتّت الفكر "ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى".
وختم الباحث "الذكري" فوائده، قائلًا: بيان نعمة وجود النبوة والرسالة، وأن البشر مهما تعلّموا من دنياهم، فهم بحاجة إلى تفوق في العلاقة مع خالقهم.
وأضاف: وأنّ الكفر وعموم المعاصي من عقوبتها أن صاحبها ينغمس قلبه فيها، وأن يضعف سيره إلى الله؛ قال ابن القيم، رحمه الله، في كتابه الرائع النافع "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي": ومن عقوباتها، أي الذنوب والمعاصي، أنها تُضْعِفُ سيرَ القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه، أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدَعه يخطو إلى الله خطوةً، هذا إن لم تردّه عن وجهته إلى ورائه! فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنّما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيّره، فإن زالت بالكلّية انقطع عن الله انقطاعًا يبعُد تداركُه، والله المستعان".