99 عاماً، هو الفاصل الزمني بين رغبة لم تكتمل لدى (الجد) المؤسِّس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ طيّب الله ثراه ـ بطرح جزءٍ من أسهم شركة الزيت العربية للمواطنين، وبين (الابن) خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي حقّق رغبة والده، وحوّل اكتتاب "أرامكو" إلى واقعٍ معاش، خطّط له بعنايةٍ فائقة واقتدارٍ "الحفيد" ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
وتجمع بين "الجد" و"الابن" و"الحفيد" رؤية واحدة، ترى في شركة أرامكو السعودية جزءاً أساسياً في دعم الاقتصاد الوطني، وإحداث الفارق المطلوب في نهضة البلاد والأخذ بها إلى عالم أكثر تقدماً وتطوراً.
60 ألف سهم
في بداية التنقيب عن النفط في المملكة، كان الملك عبدالعزيز، ينوي طرح 60 ألف سهم، للمواطنين من شركة الزيت، وكان ذلك في "وثيقة" في صورة خطاب مؤرخ في 28/1/1342هـ، موجّه لأمير بريدة عبدالعزيز بن مساعد، لطلب الدخول من قِبل مواطنين في تأسيس شركة الزيت، التي لم تتضح بعد معالمها في ذلك العام.
وكانت المملكة حينها لا تمتلك أي مصادر دخل ثابتة، لتستطيع الدولة الصرف على التنمية والبناء، والتي كانت لا تزال في بدياتها، رغم أن الدول لم تعرف في ذلك التاريخ أيَّ شكلٍ من أشكال سوق الأسهم، أو أيَّ شكلٍ من أشكال العمل كمساهمة عامة.. غير أن المؤسِّس بحسه الفطري قرأ المستقبل للدولة السعودية التي بناها حديثاً، وتمّ تأجيل الطرح.
رغبة "الجد" في طرح "أرامكو" للاكتتاب، كشف عنها "الحفيد" في حديثٍ له عن تحرُّكه نحو طرح عددٍ من الأسهم في شركة أرامكو السعودية. وقال الأمير محمد بن سلمان، قبل نحو أربع سنوات في لقاءٍ تلفزيوني، إن الملك المؤسِّس كان يرغب في اكتتاب "أرامكو"، حيث أدرك الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت، أن البلاد تنام على حقول نفط عملاقة، ستغيّر وجه التاريخ.
وثيقة الاكتتاب
وخاطب الملك عبدالعزيز، في الخطاب (الوثيقة) كل جماعة أهل بريدة حاضرة منطقة القصيم، وحثّهم على المساهمة في مشاريع النفط عقب اتفاقية مع شركات البترول، التي حصلت على رخص التنقيب في الدولة الناشئة، كما أورد في خطابه أن المساهمة ستعود على المساهمين بالربح الكبير.
وقال الملك عبدالعزيز في خطابه: "سيتم تخصيص 60 ألف سهم للمواطنين"، معتبراً أن هذا التخصيص "سيحقّق مصالحهم، وستكون لهم، بدلاً أن تذهب لغيرهم، وإنها فرصة لن تتكرّر والتي تشهد منافسة من قِبل مستثمرين ومساهمين عرب وأجانب".
وأضاف المؤسِّس في خطابه، أن "الأجانب سيكون لهم نصيبٌ من الحصص، وأنهم يبذلون جهداً للحصول على حصة أكبر من هذه الأسهم، حتى لو دفعوا مبالغ تزيد على السعر المحدّد للسهم".
50 جنيهاً
ويعود من جديد الملك المؤسِّس، ويؤكّد أنه في حالة اكتشاف النفط والغاز بشكل تجاري، فإن الأمر سيكون مختلفاً وبلغة بسيطة يشرحها الملك المؤسِّس لمواطنيه أن الحصة التي قيمتها جنيه واحد ربما تبلغ 50 جنيهاً أو تزيد. وقال الملك في خطابه لمواطنيه، وهو يشرح آلية التخصيص والمساهمة لتسجيل رغبات الناس في الاكتتاب، وتسجيل عدد الأسهم التي يرغبها كل شخص، سواء سهم أو 10 أو 100، وقال فيما نصه: "وإذا اجتمع المجموع عندكم وعرفتموه، فأرسلوه لمَن يعتمدون عليه في البحرين، وعرفوه أن يراجع وكيلنا القصيبي، ويروح معه إلى وكيل الشركة، ويسلمان له المبلغ، ويأخذان منه أوراق أسهم بمقدار المبلغ المستلم؛ كل سهم عن جنيه واحد".
تشجيع المقتدرين
وشجّع الملك المقتدرين ليساهموا في ذلك، لأنها مناسبة حسبما يراه، وفرصة لن تتكرّر، فقال: "ولكن احرصوا على هذا الأمر لا يفوتكم تراه ما يحصل لكم فيما بعد، لا تخلوا المصالح تروح لغيركم، بادرونا بالجواب عن مقدار ما يجتمع عندكم من الجماعة، حتى نكون على معلومة منه، ومثلما عرفناكم أرسلوا لمن تحبون من أهل نجد في البحرين، يدفعه لوكيل الشركة ويأخذ لكم به أوراق أسهم يرسلها إليكم".
وتابع خطابه قائلاً: "وأنتم تدرون أن لنا أصحاباً من العرب، وكل منهم يطلب منا أن نعطيه من هذه الأسهم، ولا جاوبنا أحداً عن ذلك، كله ونحن نحب أن تكون بيد الرعية ومصلحتها لهم.. حيث إن الوقت ضيق والعمل قريب إن شاء الله".
لم يجد التجاوب
ورغم حرص الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت على دخول مواطنيه في الاكتتاب لتأسيس مساهمة للتنقيب عن النفط، إلا أن هذا الطلب لم يجد تجاوباً من مواطنيه في ذلك الوقت، لينطلق العمل بعدها بسنوات، وتعمل الشركة على التنقيب؛ لتصبح المملكة من أكبر الدول المصدّرة للنفط، ويصبح البترول مسيطراً على الأسواق العالمية، ويدر دخلاً هائلاً للسعودية كما كان يتوقعه الملك المؤسِّس.