بلا كلل أو ملل، تواصل المملكة العربية السعودية مساعيها الدؤوبة لتحديث وتطوير أنماط الحياة كافة لمواطنيها، على جميع الأصعدة، سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وتعمل بجد في إنشاء مشاريع اقتصادية عملاقة، سيكون لها أثر كبير في تغيير حياة مواطنيها للأفضل.. وتسنُّ من القوانين والتشريعات ما يكفل الحياة الكريمة للجميع، ويجعل السعودية قِبلة سياحية للزوار من أنحاء العالم قاطبة؛ ليتعرفوا على هذه البلاد التي هي أصل الحضارة، ومنبع النور.
في الوقت ذاته تُظهر القيادة السعودية حرصًا شديدًا على التمسك بثوابت وتقاليد المجتمع السعودي العريق، وعاداته الضاربة بجذورها في القِدم.
وقد عُرفت السعودية منذ قديم الزمان بوجود الإبل على أرضها، واعتزاز سكانها بامتلاك هذه الحيوانات العزيزة على قلوبهم، وإكرامها، والعناية بها. كما جاء القرآن الكريم ليؤكد صواب هذه العادة المتأصلة في نفوس العرب، وحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الاهتمام بها.
ومنذ توحيد السعودية على يد المؤسس المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز آل سعود اهتمت السعودية بإقامة المهرجانات الخاصة بالإبل. ويبرز في هذا المضمار مهرجان الملك عبد العزيز للإبل بوصفه تظاهرة عالمية، يؤمُّها المهتمون بهذا التراث من أنحاء العالم كافة، ولاسيما مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذين يحرصون على المشاركة في السباقات والمنافسات المصاحبة للمهرجان؛ وهو ما أضفى على الفعالية طابعًا دوليًّا.
ولم تعد هذه المناسبة مجرد منافسات رياضية تقليدية، بل تحولت إلى فعاليات سنوية متجددة، تحرص السعودية على إقامتها لربط الأجيال الناشئة بتراث هذه البلاد وعاداتها وتقاليدها المستمدة من عمقها العربي الأصيل، والحفاظ على الموروث الذي تتناقله الأجيال، وتحرص عليه.
ولإضفاء أكبر قدر من الأهمية على المناسبة فقد أطلق عليها اسم الملك المؤسس، وتقام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويبدي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، اهتمامًا خاصًّا بهذه الفعاليات، ويقتطع من وقته الثمين – رغم تعاظم المسؤوليات وتعدد المشغوليات – ليتابع هذه الفعاليات شخصيًّا، ويدعو قادة ومسؤولي الدول العربية لمتابعتها؛ وهو ما أكسبها زخمًا شعبيًّا كبيرًا، ولاسيما أنها تحولت إلى نشاط تجاري يدر دخلاً كبيرًا لأصحاب الإبل، ويعينهم على تربيتها والاهتمام بها. كما تم إنشاء القرية السعودية للإبل على مساحة 30 مليون متر مربع عند موقع الصياهد الجنوبية للدهناء، التي تقع شمال شرق مدينة الرياض على بُعد 120 كيلومترًا؛ لضمان الخصوصية والراحة لزوار المهرجان، ولتوفير بيئة تناسب طبيعة المناسبة.. مع تصميم عمراني مستوحى بالكامل من البيئة العربية القديمة؛ إذ تنتشر الخيام وبيوت الشعر التي يشعر معها الزائر بأنه عاد سنوات طويلة إلى الماضي الجميل.
هذا الاهتمام ينبع من إدراك حقيقة بديهية، يه أن من لا يملك جذورًا تاريخية لا يمتلك القدرة على التحليق في سماوات التقدم والازدهار، وأن من لا يتمسك بذاته ويعتز بهويته سيكون مصيره الذوبان في ثقافات الآخرين، وأن من لا يتمتع بماضٍ عريق لا يمكنه إيجاد حاضر مقنع أو مستقبل مشرق، وأن السعي الجاد نحو منابع العلم والحضارة الحديثة لا يعني بأي حال من الأحوال الانسلاخ من الجذور والتنكر للتاريخ.
هذه هي السعودية التي تبني مستقبلها الحديث بإحدى يديها، وفي الوقت ذاته تستصحب باليد الأخرى ماضيها التليد، وتحرص على تعريف أبنائها وأجيالها اللاحقة بتراثها العريق وماضيها المشرق.