رمضان شهر الخير والبركات، والعفو والتسامح والتصالح مع الذات. ومفردة التسامح بمعنى العفو والصفح.. وعند التعمق في معناها السامي سنجد مبادئ وقيمًا وأخلاقيات وجماليات.. فمن الضروري أن نبحث عن معاني التسامح بكل تفاصيلها ومعطياتها وأبعادها التي نصل بها إلى عمق القناعات المتأصلة في النفس البشرية؛ لكي نستطيع أن نغيِّر المفاهيم المتحجرة للوصول إلى البُعد الإنساني في المفهوم العريض للتسامح.. ولن يتحقق ذلك إلا بصدق النية، وصفاء السريرة، ورغبة داخلية للتصالح مع النفس،وتحقيق المبادئ والقيم الإنسانية المبنية على أسس ومناهج حقوقية، تضمن الحفاظ على كرامة الإنسان؛ ولهذا فإن أي محاولة للبحث عن الخطوط المتقاطعة أو المتوائمة مع ثقافة الأفراد أو الجماعات لا بد لها من وجود لغة مشتركة ذات مفاهيم عالية للغة الحوار المبنية على التفاهم، والوقوف على أرضية ثابتة مشتركة قائمة على مبادئ التعاون المشترك إنسانيًّا وثقافيًّا لتحقيق الحد الأدنى من الوعي الحضاري الذي من خلاله نستطيع أن نرسخ قيم التسامح في المجتمعات الإنسانية.
للتسامح الشامل متطلبات بسيطة، تضمن للناس التعايش مع بعضهم في هدوء وسلام وأمن واطمئنان.. متناسين كل المعتقدات المختلفة والقيم المغايرة.. فالتسامح الذي يجمع بين العفو والحلم هو مقياس للرقي في التعامل، والابتعاد عن القسوة في المواجهة.. وهذا لا يعني ضعف المتسامح أو عدم قدرته على الرد والانتقام، ولا يعني الرضا بالخطأ، بل يعني قوة في الشخصية، وتساميًا على الجراح، وسموًا في الأخلاق، وقدرة على امتلاك النفس عند الغضب..
للاختلاف في الرأي قيمة فكرية، تُضاف إلى القيم الثقافية الأخرى، ولها حقها من الاحترام لحفظ المكانة الإنسانية، والحقوق العامة.. ويجب ألا تصل إلى نقطة الخلاف أو التجاوز، أو الإساءة للآخر، وإلحاق الأذى بالمختلف معه؛ فالتسامح الحق هو الذي يؤدي إلى تحمُّل المسؤولية، وإدارة الخلافات بصورة إنسانية راقية بعيدًا عن لغة العنف المقيتة، التي تتحامل على الآخر، ولا تحترم الاختلاف معه وتلغيه وترفضه، وتخونه وتجرمه.
مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، والحراك العالمي، والتطور السريع لعمليات التواصل الإنساني، وفتح الأفق المعرفي والتنوع الثقافي، والتعدد الحضاري.. يجب أن تُستغل هذه الوسائل لتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات، وتأكيد التضامن والتآخي والتآزر والتكاتف، والعمل على التعايش في حب وسلام ووئام، وتطبيق ذلك علىأرض الواقع لبناء أساس متين للتسامح المشترك بين كل الشعوب.
فنحن اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح؛ فقد انتشرت ظواهر متعددة للعنف، ولغة مقيتة، فرضت نفسها في الواقع المعاصر حين غابت القيم والمُثل الأخلاقية والدينية، وظهرت الانقسامات الأسرية والاجتماعية، وأصبح الناس يجرمون بعضهم؛ ما جعل إنسان العصر يقف حائرًا إزاء ما يقابله من مواقف حياتية تجاه سلوكيات معينة، أو معلومات مغلوطة، أو تربية خاطئة،وانعدام لغة الحوار الهادئ، وعجزه عن التعامل البنّاء، مع عدم القدرة على التعبير عن الرأي وقبول الآخر.. كل ذلك بحاجة إلى التسامح المشروع لتعزيز العلاقات الإنسانية.