سلطان وبصيرة العطاء

سلطان وبصيرة العطاء

أن تدرك ما يمكن أن يؤول إليه الحال؛ فتواجه تسلُّل المرض إلى جسدك بكل بسالة، فتلك مرتبة رفيعة من مراتب الشجاعة؛ تُحسب لك. لكن أن تتخطى هذه المرحلة؛ فتبدأ بالتخطيط للآلية التي ستجابه بها هذا الضيف الثقيل، فأنا أزعم أن هذه مرحلة تحمل في طياتها روحًا تتشبث بالحياة حتى آخر لحظة.

سلطان العذل رائد الأعمال والتاجر الذي رحل عنا قبل أيام، بعد أن ضرب لنا أروع الأمثال في رحلة عطاء، وقصة بطولة؛ تستحق أن تروى.

أبدأ من النهاية؛ إذ كان يصر الرجل على متابعة مهام عمله حتى آخر لحظة من عمره دون كلل. لم يتأخر عن حضور اجتماع عمل، أو مشاركة الأسرة مناسباتها الدورية، أو حتى تشجيع أبناء العائلة وغيرهم على مواصلة الجهد.

سلطان لم يعرف رهابًا اجتماعيًّا، أو انعزالاً وانطوائية بسبب ظروف المرض، كما يحدث في كثير من الحالات المشابهة، بل كان مندمجًا مع الحياة لدرجة تُبقيك متبسمًا كلما اجتمعت به؛ فأنت تعلم مع كل لقاء أن في الحياة متسعًا للمزيد.

مع بداية الإحساس بعوارض المرض (فَقَدَ القدرة الكاملة على الحركة) بدأ رحلة بحث، يتعرف من خلالها على مراحل التطور التدريجي للمرض. ولك أن تتخيل كيف يمكن أن تستقبل خبرًا، يفيد بأنك مع مرور الوقت لن تتمكن من التحكم بتحريك أطرافك، بل سوف تصبح عاجزًا عن التفاعل مع مَن حولك سوى بالبصر.

بالنسبة لسلطان فقد كانت المسألة مختلفة تمامًا؛ فقد بادر الرجل بالاجتماع بالأطباء، وركز جهده على التدرُّب؛ ليتقن لغة التخاطب عبر البصر، ثم أتبع ذلك بتدريب مَن حوله على هذه اللغة.

لا أعلم كم هو عدد المرات التي حاولتُ فيها إعادة صياغة هذه الجملة؛ لتصل إلى قارئ المقال بالدرجة نفسها من المشاعر، لكن الذي أعلمه يقينًا هو أنني مع كل مرة كنتُ أشعرُ بأنه ما زال عليَّ إعادة المحاولة من جديد.

طموح يتخطى حدود المألوف دفع الرجل خلال مسيرة حياته للكتابة، وإخراج مؤلفات يعجز الإنسان الطبيعي عن أن يقدِّمها في ظل الظروف الطبيعية، فكيف بمن هو في حاله؟!

كتاب (من رجالات الملك: عبدالعزيز صالح باشا بن عذل) الذي يعرِّف بدور أسرة العذل في المجتمع السعودي، الذي كان قد قدَّم له الملك سلمان -حفظه الله-، هو أحد مؤلفات الراحل رغم ظروف الإعاقة.

لقَّبوه بـ(ستيفن هوكينج) العرب، لكن الألقاب ليست كل شيء؛ فهي لا تعدو كونها رموزًا، تعبِّر عن مشاعر مَن حولك.

سلطان لم يُعِرْ تلك الألقاب الاهتمام؛ لأنه كان منشغلاً بكثير من المهام التي أراد أن ترى النور قبل أن يرحل؛ فأصحاب الهمم يحملون هاجس التغيير والرغبة في رؤية العالم من حولهم بشكل أجمل كل يوم.

رحم الله المهندس سلطان (التاجر ورائد الأعمال والمؤلف) الذي لم يألُ جهدًا في تقديم أفضل ما لديه خلال مسيرة عمله التي امتدت عشرات السنين.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org