
تمضي رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بخطى راسخة نحو بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح، مرتكزة في جوهرها على تنمية رأس المال البشري، وتمكين المواطن السعودي من اكتساب المهارات المستقبلية والتي تتماشى مع متطلبات سوق العمل، باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والتحول الوطني الشامل.
وفي هذا السياق، أولت الرؤية منذ انطلاقها اهتمامًا بالغًا بجوانب المهارات والمعارف المستقبلية، إدراكًا لما يشهده العالم من تغيرات متسارعة في مجالات التكنولوجيا، وسوق العمل، والاقتصاد الرقمي، مما يحتم إعداد مواطن قادر على المنافسة عالمياً، وقادر على الإبداع والتكيف مع المتغيرات.
من هنا جاء إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية كأحد أهم برامج الرؤية، بهدف إعداد مواطن سعودي يمتلك المهارات والمعارف والقيم التي تمكنه من المنافسة عالمياً، وشمل البرنامج عدة مبادرات استراتيجية، من أبرزها: تعزيز المهارات الرقمية، ودعم التعليم مدى الحياة، وتوسيع نطاق التدريب المهني والتقني، وتطوير برامج جامعية تعليمية قصيرة ومرنة ترتبط مباشرة باحتياجات سوق العمل.
وتُعدّ البرامج الجامعية القصيرة "MicroX" إحدى الأدوات الفعّالة التي وُظِّفَت لتمكين الشباب، إذ توفر فرصًا تعليمية مرنة وقصيرة، تركّز على المهارات التطبيقية في مجالات مطلوبة، مثل الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، والتقنيات المالية، والصناعة الذكية، والطاقة، والصحة.
كما أولت المملكة اهتماماً كبيراً بتمكين المواطن في المجال الرقمي، حيث أُطلقت مبادرات لتأهيل الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، تماشياً مع طموحات المملكة في أن تصبح مركزًا تقنيًا إقليميًا.
كما جرى تعزيز المسارات المهنية والتقنية من خلال تطوير مناهج التدريب المهني وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، بما يضمن مواءمة المخرجات التعليمية مع احتياجات السوق، وقد ساعد ذلك في فتح آفاق واسعة أمام الشباب لتأهيل مهارات والمنافسة على وظائف مميزة، أو تأسيس مشاريعهم الخاصة بدعم من برامج ريادة الأعمال الوطنية.
وقد انعكس هذا التوجه في ارتفاع أعداد الملتحقين بالبرامج التدريبية غير التقليدية، وتنامي ثقافة التطوير الذاتي، خاصة بين فئة الشباب والنساء، الذين أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية تطوير المهارات الرقمية والمهنية للنجاح في سوق العمل الحديث.
في هذا الصدد تشير النتائج الأولية إلى نجاح هذه المبادرات في رفع نسب التوظيف، وتحسين جودة المخرجات التعليمية، وظهور قصص نجاح لطلاب وطالبات التحقوا ببرامج قصيرة أو تخصصات تقنية جديدة، وتمكنوا من دخول سوق العمل في وقت قياسي، أو أطلقوا مشاريعهم الناشئة بدعم من الجهات التمويلية الوطنية.
وفي المرحلة القادمة، تسعى المملكة إلى توسيع نطاق هذه المبادرات، عبر دعم المزيد من البرامج التدريبية المتخصصة، وتعزيز التكامل بين التعليم العام والعالي والتدريب المهني، بما يُمكن المواطن من التنقل السلس بين المسارات التعليمية والمهنية، ويُعزز مرونته في التعامل مع تحديات المستقبل.
وتؤكد المؤشرات أن تمكين المواطن السعودي بالمهارات المستقبلية لم يعد خيارًا، بل بات مسارًا استراتيجيًا ضمن رحلة التحول الوطني الشامل، نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، ومجتمع قادر على المنافسة في مختلف المجالات، بما يترجم تطلعات القيادة الرشيدة ويُحقق مستهدفات الرؤية الطموحة.