بات ملاحظاً أن موارد الأرض في العالم تتدهور بمعدل ينذر بالخطر، ويشكل ذلك تهديداً للأمن الغذائي العالمي، كما يؤدي إلى الهجرة القسرية ونشوب الصراعات، وتفاقم تحديات تغير المناخ. ومن ناحية أخرى، فإن الإحصاءات تقرع ناقوس الخطر، وتؤكد أن 40% من المساحات على الأرض متدهورة بالفعل، ما يؤثر على نصف البشرية ويهدد نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي هذا السياق، يمثل مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "كوب 16" الرياض حدثاً مميزاً ولحظة حاسمة لقادة الأعمال على كافة المستويات المحلية والإقليمية للتعامل مع مستقبل الأرض وتأثيرها العميق على الاقتصاد العالمي.
وفي المقابل، ستكون تكلفة التقاعس وغض الطرف عن هذه التحديات باهظة جداً. ومن المتوقع أن يتسبب تدهور الأراضي في خسارة تشكل نسبة 4.7% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول العام 2050. وهذا يمثل هدراً بقيمة 23 تريليون دولار من الاقتصاد العالمي، ما يؤثر على كافة القطاعات. ويقدم المؤتمر فرصة فريدة لعكس هذا الاتجاه وإطلاق العنان للإمكانات الهائلة للأراضي الصحية والمنتجة. وسيكون المكان الأمثل لتحفيز التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية، والأهم من ذلك القطاع الخاص.
وهناك ارتباط وثيق بين تدهور الأراضي والجفاف الذي يؤثر على 1.84 مليار شخص، ما يؤدي إلى النزوح ونشوب الصراعات. ويهدد التصحر إنتاج الغذاء بنسبة تصل إلى 12%، في حين يتم استثمار 7 تريليونات دولار سنوياً في الأنشطة التي تؤثر سلباً على الطبيعة"، ولا تحظى الحلول القائمة على الطبيعة سوى بالنزر اليسير. ويزداد التحدي تعقيداً عندما نعلم أننا نفقد 24 مليار طن من التربة الخصبة، و12 مليون هكتار من الأراضي التي يمكن أن تنتج 20 مليون طن من الحبوب. ولا يطال تأثير ذلك بيئتنا فحسب، بل يشكل تهديداً خطيراً على سبل عيشنا واقتصاداتنا ومستقبلنا.
مع اقتراب انطلاق هذا الحدث، يتزايد الاهتمام من قبل مختلف الشرائح المعنية بالشأن البيئي، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، نظراً لتأثير تدهور الأراضي والجفاف والتصحر على عملياتها التشغيلية، والإجراءات العاجلة اللازمة المتوقعة منها للمشاركة في مواجهة التأثيرات طويلة الأمد الناجمة عن التغيرات المناخية، بما في ذلك تحديات التصحر والجفاف.
وعلى المستوى المحلّي، اتجهت المملكة في السنوات الأخيرة نحو تعزيز الاستدامة والابتكار في مختلف القطاعات. ووفقاً لرؤية 2030، يتم تبني خطط طموحة لتعزيز دور الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تم تخصيص 72 مليار ريال سعودي لدعم هذا القطاع خلال السنوات المقبلة. ويعكس هذا الاهتمام التزام الحكومة بتحقيق تنمية مستدامة تدعم المشاريع التي تعمل في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام المياه، وتقنيات الزراعة المستدامة.
وتشير الدراسات إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة لديها القدرة على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة من خلال تنفيذ ممارسات مستدامة. ومن المهم أيضاً تعزيز الوعي بين هذه الشركات حول فوائد اعتماد ممارسات مستدامة، مثل تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف.
تُعد الأراضي من أهم الموارد، كما تمثل العمود الفقري للاقتصادات وسلاسل التوريد. وهناك كثير من الدوافع البيئية والاقتصادية التي تؤكد ضرورة استصلاح الأراضي من أجل ضمان الاستقرار التجاري والاقتصادي على المدى الطويل في العالم أجمع. وتشير أحدث الدراسات المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى أن كل دولار يُستثمر في مشاريع استصلاح الأراضي المتدهورة يحقق عائدات اقتصادية تصل إلى 30 دولاراً.
وقد أكد تقرير صادر عن مبادرة «اقتصاديات تدهور الأراضي» أن تبنّي الإدارة المستدامة للأراضي يمكن أن يُسهم في زيادة إنتاج المحاصيل بما يصل إلى 1.4 تريليون دولار، ومع أن حجم السوق يتجاوز 200 مليار دولار، تبدو إسهامات القطاع الخاص متواضعة للغاية، ولا تتجاوز 35 مليار دولار في الحلول العالمية الطبيعية، وآليات تمويل استصلاح الأراضي، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وفي إطار المساعي الدؤوبة التي يبذلها منظمو المؤتمر لاستقطاب الشركات من مختلف الأحجام والقطاعات للمشاركة في النقاشات المستفيضة حول كافة هذه الجوانب، تم إنشاء المنطقة الخضراء، لأول مرة في تاريخ الحدث، حيث ستوفر مساحة للتعاون بين الشركات والمؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع العلمي لتطوير حلول مبتكرة للتصدي لتدهور الأراضي. وسيتم أيضاً تنظيم "منتدى القطاع الخاص من أجل الأراضي" خلال المؤتمر، والذي سيجمع كبار صناع القرارات والسياسات من شتى أنحاء العالم لمناقشة الضرورات الاقتصادية لممارسات الأراضي المستدامة.
يفتح "كوب 16" باب التعاون بين الشركات المحلية والدولية، ويمثل ذلك خطوة مهمة لدعم الجهود الوطنية في مكافحة تدهور الأراضي، لاسيّما وأن المملكة تعدّ واحدة من أكثر الدول تأثراً بظاهرة التصحر. ومن خلال تبادل الخبرات والتقنيات، يمكن تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه التحديات، وتطبيق تقنيات جديدة تسهم في تحسين إنتاجية الأراضي المتدهورة.
لقد بات معلوماً أن التهديد الناجم عن تدهور الأراضي يطال كافة الدول والشعوب، وتصل تأثيراته إلى أكثر من 3.2 مليار شخص على مستوى العالم، الأمر الذي يدفع رئاسة «كوب 16» لدعم العمل البيئي بقيادة الشركات، وتوجيه رسالة واضحة مفادها «أن استصلاح الأراضي ضرورة بيئية، واستراتيجية أعمال ذكية».
ويمكن للقطاع الخاص أن يتدخل من زوايا عديدة للتغلب على تحديات التصحر والجفاف، خاصة من خلال استثماراته في مشاريع متنوعة، مثل الطاقة المتجددة والمشاريع الزراعية المستدامة. ويتوافر أيضاً العديد من فرص الاستثمار في سلسلة الإمداد المستدامة والتقنيات الخضراء والطاقة المتجددة والابتكارات المستدامة، على المستويين المحلي والدولي.
في الختام، يمثل "كوب 16" فرصة تاريخية للمملكة لتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص في مواجهة التحديات البيئية. ويجب استغلال هذه الفرصة لتعزيز عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة والمساهمة في تحقيق مستقبل مستدام ومزدهر للجميع. ويجب تفعيل دورها وتعزيز التعاون بين الشركات المحلية والدولية، وتوفير فرص التمويل من القطاع المصرفي، باعتبارها عوامل حيوية لتحقيق أهداف "كوب 16"، لاسيما وأن نجاحه يعتمد على التعاون والتكامل بين جميع الأطراف لمواجهة التحديات البيئية وبناء مستقبل مزدهر ومستدام.