مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض، يرصد الكاتب والمحلل السياسي عبدالرحمن الراشد، تغييرًا سياسيًّا لا يخفى على العين في علاقة الرياض بواشنطن وموسكو؛ معتبرًا أن من المبالغة الحديثُ عن تحوّل سعودي عن علاقتها التاريخية والاستراتيجية مع الغرب؛ متسائلًا عن تحالف جديد تحت التأسيس، واتفاقات إقليمية بين السعودية وروسيا؛ خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار وتبدل التحالفات والانسحاب الأمريكي البطيء من المنطقة.
زيارة بوتين والتغيير السياسي بالمنطقة
وفي مقاله "الرياض بين موسكو وواشنطن" بصحيفة "الشرق الأوسط"؛ يقول الراشد: "الاهتمام السعودي الرفيع بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يحكي أشياء كثيرة، والاهتمام الخارجي بتتبعها متوقع في ظل التحولات المستمرة في مسارات العلاقات الدولية. من المبالغة القول إنه تحول سعودي عن علاقتها التاريخية والاستراتيجية مع الغرب، لكنّ هناك تغييرًا سياسيًّا لا يخفى على العين. فهل هناك تحالف جديد تحت التأسيس؟ وهل هناك اتفاقات إقليمية بين العاصمتين؟
العديد من التساؤلات المهمة والمنطقية في ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتبدل التحالفات والانسحاب الأمريكي البطيء من المنطقة.
تغير السياسة الخارجية للمملكة
ويرصد "الراشد" أول التغييرات، وهو رسم السياسة الخارجية السعودية، ويقول: "الملاحظ أن السعودية بدأت في السنوات القليلة الماضية ترسم سياستها الخارجية بناءً على ملفات محددة، وليس وفق محاور سياسية محسومة. وزيارة الرئيس بوتين مجدولة منذ فترة، وليست نتيجة أزمة المواجهة مع إيران، أو انسجامًا مع نتائج الآستانة للقضية السورية. هناك موضوعات مشتركة تستطيع الرياض وموسكو إنجاز مهام فيها أكثر من أي فريق آخر، مثل إدارة سوق النفط سعرًا وإنتاجًا. الروس والسعوديون يملكون معًا أكبر نفوذ، وباتفاق الجانبين، تم تجنب حروب الأسعار. روسيا قررت أن تكون لاعبًا فاعلًا في منطقة الشرق الأوسط، والتفاهمات السعودية الروسية حالت دون انحراف سياسة ضد الرياض، وهي في رأيي مهمة صعبة دبلوماسيًّا، ونحن نرى ثمارها اليوم. ورغم أن موسكو تتبنى موقفًا مضادًّا لكل ما تتخذه واشنطن؛ إلا أنها تبقى في انسجام في موضوعات مثل اليمن والسودان وليبيا والعراق".
الروس لن يتركوا إيران أو تركيا تحتل سوريا
ويتوقف الراشد أمام التفاهم السعودي الروسي بشأن الأوضاع في سوريا، وكيفية الاستفادة من روسيا ويقول: "ماذا عن تباين موقف البلدين في سوريا؟ الواقع القائم هناك هو الذي يفرض نفسه، كما كان الحال قبل ثماني سنوات عندما فرض نفسه بطريقة مختلفة، والسعودية لن تتخذ موقفًا منفصلًا عن الواقع، ولن تغرد خارج السرب هناك؛ فكل الدول الحدودية مع سوريا هي المعنية بالدرجة الأولى أكثر من السعودية، الأردن والعراق وتركيا جميعها تموضعت وفق التطورات الجديدة على الأرض. تركيا صاحبة الحدود الأطول، دفعت بالأمور إلى ما آلت إليه اليوم، وقَبِلَت من خلال التفاوض مع الروس والإيرانيين بالوضع الجديد، وأصبح همها في ثلاث مسائل: التخلص من ثلاثة ملايين سوري لاجئ، والثانية قمع أي تجمع كردي مسلح قريب من حدودها، والثالثة السيطرة على المناطق النفطية السورية ما أمكن ذلك.. السعودية بعلاقتها الجيدة سعيدة أن ترى الروس لا يتركون إيران تحتل سوريا؛ وبالتالي صارت السياسة إنقاذ سوريا من الهيمنة الإيرانية وتقليص انتشار مليشيات (حزب الله)، وردع الأتراك عن احتلال أجزاء سورية مهمة نفطيًّا واستراتيجية جغرافيًّا. هنا رأينا لروسيا دورًا مهمًّا؛ خصوصًا مع الانكفاءة الأمريكية".
الروس أطفأوا راداراتهم خلال الهجمات الإسرائيلية على مواقع القوات الإيرانية
ويرصد "الراشد" التفاصيل المعقّدة في علاقة روسيا بإيران؛ خاصة في داخل سوريا، ويقول: "ماذا عن روسيا وعلاقتها الجيدة مع إيران؟ السعودية تريد أن تستفيد من هذه العلاقة؛ لأن طهران لا تستطيع أن تعادي روسيا وأمريكا في الوقت نفسه. ومع أن الروس يحظون بعلاقة جيدة في طهران؛ إلا أنهم لا ينظرون بالعين نفسها في كل القضايا. إيران تاريخيّا تخشى روسيا، وتردد دائمًا أن لها أطماعًا فيها منذ زمن القياصرة. وهناك خلافات بحرية ونفطية وجغرافية، وقد سعى البلدان إلى عدم إثارتها. لكن روسيا لا تتفق تمامًا مع إيران في سوريا، وقد هاجم الإعلام ورجال الدين الإيرانيون، روسيا، مرات، واتهموها بالتواطؤ ضدها مع إسرائيل هناك؛ فقط لأن الروس حالوا دون التوسع الإيراني، ولأنهم أطفأوا راداراتهم خلال الهجمات الإسرائيلية على مواقع القوات الإيرانية ومليشياتها. أيضًا موقف روسيا جيد في اليمن، ينسجم إلى حد كبير مع الموقف السعودي".
في الرياض أول مكتب لصندوق الاستثمار الروسي في العالم
ويُنهي "الراشد" لافتًا إلى الجانب الاقتصادي من الزيارة ويقول: "الحقيقة أن الرئيس بوتين أظهر براعة في التعامل مع الأزمات المرتبطة بالمنطقة، وكان واضحًا في رسم تصوره للعلاقة مع السعودية، الدولة التي كانت تعتبر أقرب حليف للولايات المتحدة بين الدول العربية، طبعًا ولا تزال علاقتها قوية بواشنطن؛ لكنها لم تعد حصرية. وعندما اختار بوتين، الرياض، ليفتتح أول مكتب لصندوق الاستثمار الروسي في العالم كان يوجه رسالة مفادها أن العاصمة السعودية أكثر من مجرد محطة لزيارة واحدة".