أكد نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور يوسف بن محمد بن عبدالعزيز بن سعيد، أن ما اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، من تعليق التأشيرات لغرض العمرة حذرًا من انتشار فيروس كورونا الجديد؛ جاء موافقًا للأصول الشرعية.
جاء ذلك في مقال فيما يلي نصه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن ما اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من تعليق التأشيرات لغرض الحج والعمرة حذراً من انتشار فايروس كورونا الجديد جاء موافقاً للأصول الشرعية، ودلت عليه نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد وما قرره علماء الفقه في قواعدهم الفقهية، وهذا قليل مما يدل على هذا:
أولاً:
يقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، فمتى لم يستطع الحاج الحج؛ لخوف طريق، أو قلة زاد ومسغبة، أو مرض عام، سقط وجوبه عليه.
ويقول تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، ويقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)،
ويقول تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ويقول تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) وترك الوباء ينتقل مع القدرة – بإذن الله تعالى – من دفعه قبل وقوعه أو رفعه قبل وقوعه، سبب في إهلاك النفس ونفوس الآخرين.
وتفشي الوباء وإن لم يصب الشخص نفسه يعد مخوفاً، حيث قال الرملي الشافعي في "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان": (وفشو الوباء مخوف وَلَو فِي حق من لم يصبه)، وإن كان هذا في باب الوصايا وما ينفذ منها وما لا ينفذ، إلا أن الشاهد منه عده مخوفاً قد يفضي إلى الهلكة.
ثانياً:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري: (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)، وقال ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري، وقد تأول يحيى بن يحيى الأندلسى، في قوله: (لا يحل الممرض على المصح) تأويلاً آخر، قال: "لا يحل من أصابه جذام محلة الأصحاء فيؤذيهم برائحته وإن كان لا يعدو، والأنفس تكره ذلك"، قال: "وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي له أن يحل موردة الأصحاء إلا ألا يجد عنها غناء فيرِد.
قلت: فالقوم يكونون شركاء في القرية في مائها وثمارها، فيجذم بعضهم، فيتأذى بهم أهل القرية، ويريدون منعهم من ذلك؟.
قال يحيى: إن كانوا يجدون من ذلك الماء غناء بماء غيره يستقون منه من غير ضرر بهم أو يقومون على حفر بئر أو جرى عين، فأرى أن يؤمروا بذلك، وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في "المسالك" في شرح موطأ مالك، قال علماؤنا: "المُمْرِضُ ذُو الماشية المريضَةِ، والمُصحُّ ذو الماشية الصّحيحة".
وقيل: "معناه أنّ يأتي الرّجلُ بإِبِلِهِ أو غَنَمِهِ الجَرِبَةِ، فَيَحلَّ بها على ماشيةٍ صحيحةٍ، فيُؤذِيهِ بذلك بأن يحتبسَ إليها الجَرَبَ".
وإذا فسر الممرض بأنه ذو الماشية المريضة، ومنع من إيرادها على الصحيحة، فإن الاحتياط لبني آدم من باب أولى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وقال ابن حبيب من المالكية كما نقله عنه ابن بطال في شرح البخاري (وكذلك يمنع المجذوم من المسجد والدخول بين الناس واختلاطه بهم).
وقال ابن حبيب أيضاً فيما نقله عنه القرافي في "الذخيرة": (وَيُمْنَعُ الْمَجْذُومُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمِنَ الْجُمُعَةِ).
وقال سحنون فيما نقله الونشريسي رحمه الله في كتابه "المعيار المغرب" ( 1/416): "وأما ورودهم ماءهم واستسقاءهم منه ووضوءهم فيه وغير ذلك، فأرى أن يمنعوا منه ويؤمروا أن يجعلوا لأنفسهم من يستقي لهم الماء، ويجعلوه في أوانيهم، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: لا ضرر ولا ضرار".
فورودهم الماء وإدخالهم أوانيهم فيه، مما يضر بالإصحاء جداً، فأرى أن يحال بينهم وبين ذلك، وليجعلوا لهم رجلاً فيستقي لهم، ألا ترى أنه يفرق بينه وبين امرأته، ويحال بينه وبين وطء جواريه للضرورة. فهذا أحرى أن يمنع منه.
ثالثاً:
إذا كان من أكل ثوماً منهياً عن الصلاة جماعة، لئلا يتأذى الناس بما يخرج من فيه من الروائح، فكيف بمن قد يكون سبباً لانتشار المرض؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: (من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا)، ويقول فيما رواه الشيخان: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا).
رابعاً:
القواعد الشرعية كقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وقاعدة "الضرر يزال"، وقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وقاعدة "رفع الحرج" وغيرها من القواعد.
خامسا:
وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على أرض نزل فيها الوباء أو الخروج منها، فقد روى أحمد في مسنده وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الوباء بأرض ولستَ بها فلا تدخلها، وإذا كان بأرض وأنت بها فلا تخرج منها) والوباء أعم من الطاعون كما ذكر ذلك ابن حجر في "فتح الباري" (10/181)، وكذلك كثير من فقهاء المذاهب الأربعة.
وقال ابن الأثير في "غريب الحديث" ( 5/310): "الوبَا بالقَصْر والمدّ والهمز: الطاعُون والمرضُ العام ".
سادساً:
روى مالك في الموطأ والفاكهي في أخبار مكة عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مر على امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال: "يا أمة الله اقعدي في بيتك ولا تؤذي الناس"، فلما توفي عمر بن الخطاب أتيت فقيل لها: "هلك الذي كان ينهاك عن الخروج. قالت: والله لا أطيعه حياً وأعصيه ميتاً ".
سابعاً:
مما اتفقت عليه الأديان: حفظ الضرورات الخمس، ومنها النفس، فيجب الحفاظ عليها، فكيف إذا كانت النفوس كثيرة؟!
ثامناً:
ما ذكره أهل الطب قديماً وحديثاً أن البعد عن الوباء وترك النزول بأرضه مصحة من قِبَل من ابتلوا بالوباء، مما يسارع في زواله بإذن الله.
تاسعاً:
ليس ثمة دليل يصار إليه يمنع من ذلك.
عاشراً:
حديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ومن قام على الحرمين من أئمة المسلمين وجب عليه النصح لهم في دينهم ودنياهم، ومن أعظم الرعاية العمل على منع انتشار الوباء بين المسلمين؛ لما يحصل من الفوائد الجمة، وصيانة لبيت الله ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذا مما حمل قيادة هذا البلد المبارك خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله - من تعليق التأشير مؤقتاً لغرض الحج والعمرة والزيارة؛ لأن هذا من الوقاية، وهو من أسباب منع انتشاره بين المسلمين إذا رجعوا إلى بلدانهم، فإن مكة والمدينة شرفهن الله يجتمع فيها المسلمون من الأقطار كافة.
وخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار شيء تفتخر به حكومة هذه البلاد، وهو تاج على رأسها، وتعمل كل ما تراه نافعاً لهم.
فما قام به ولاة الأمر، هو عين العقل والحكمة والنصح للمسلمين ورحمتهم، وهو ما تقتضيه خدمتهم للحرمين الشريفين.
بارك الله فيهم وفي أعمالهم وأعمارهم، ونسأل الله تعالى أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يحفظ المسلمين من كل شر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.