
قال مشاري محمد بن دليلة، نائب الأمين العام في جمعية عناية الصحية، عندما تُقلب صفحات التاريخ وتتأمل كيف ازدهرت الأرض وتطورت الصناعات وتحسنت جودة حياة الناس وظهرت القوانين والاختراعات التي يسرت سبل الحياة، تجد أن مبدأها كان التغيير بعد توفيق الله. وهذا هو النهج الذي سار عليه الأنبياء، فقد كان التغيير من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له هو الأساس، ولذلك كانت المقاومة شديدة من البشر، فقد اعتادوا على ما كان عليه آباؤهم، والعقول لا تستوعب التغيير بسهولة، حتى وإن كانت مقتنعة، فالعادات القديمة لا تنكسر بسهولة.
هذا ما سنتحدث عنه: كيف نستطيع تخفيف المقاومة عند الرغبة في التغيير من أجل التطوير؟ وسوف نتناول نموذج لوين ونموذج جون كوتر. إن إدارة التغيير هي عملية منهجية تهدف إلى الانتقال من الوضع الحالي إلى وضع مستقبلي أكثر فاعلية، من خلال تخطيط وتنفيذ ومتابعة التغيير داخل المنظمة.
الدوافع التي ينطلق منها التغيير قد تكون خارجية، كتطورات تكنولوجية أو تشريعات أو عولمة أو عوامل اقتصادية أو زيادة في حدة المنافسة. وقد تكون داخلية، مثل تدني مستوى الأداء المؤسسي أو تراجع المؤشرات أو الحاجة إلى التحسين أو تغير في القيادة والتوجهات الاستراتيجية.
التحديات التي تواجه التغيير تشمل المقاومة أو نقص الموارد والدعم القيادي، أو عدم وضوح الرؤية والأهداف، أو ضعف التواصل البنّاء.
نموذج لوين للمؤسسات البسيطة غير المعقدة ينطلق من ثلاث ركائز:
1. إذابة الجليد: ويقصد بها تكسير العادات والأفكار القديمة وتحديد المشكلات وإيجاد الحاجة للتغيير.
2. التغيير: وهي مرحلة التنفيذ وتقديم الدعم.
3. إعادة التجميد: وهي تثبيت الوضع الجديد وجعله جزءاً من الثقافة المؤسسية ودمج سلوكيات التغيير في المنظمة.
أما النموذج الآخر، نموذج جون كوتر، والمناسب للمنظمات المعقدة، فيعتمد على ثمان ركائز:
1. خلق إحساس عاجل بالتغيير من خلال تحليل الوضع الحالي والتواصل المؤثر واستشراف المستقبل.
2. تشكيل تحالف قوي للتغيير مع أصحاب المصلحة والمؤثرين وبناء الثقة معهم.
3. وضع رؤية واستراتيجية ملهمة للتغيير بمؤشرات واضحة.
4. نشر الرؤية من خلال الاتصال متعدد القنوات والتكرار والقدوة والاستماع المتفاعل.
5. إزالة العوائق بتوفير الدعم والتمكين والموارد اللازمة.
6. تحقيق مكاسب سريعة لإبراز النجاحات وقياس التقدم واستثمار الزخم.
7. تعزيز النجاحات وتوسيع النطاق واستقطاب المزيد وتسريع الوتيرة.
8. ترسيخ التغيير في الثقافة التنظيمية وربط السلوكيات الجديدة بنجاح المؤسسة.
عند تطبيق هذه الخطوات نجدها جليّة في رؤية المملكة 2030، والتي انطلقت عام 2016، واتبعت نهجاً مدروساً في التغيير وحققت نجاحات ملموسة، وتمكنت من رفع الوعي ودمج التغيير في ثقافة المجتمع، ما جعل الجميع يؤمن بها.
وفي جمعية عناية الصحية، تمت مواكبة هذا التغيير مع انطلاقة الرؤية، حيث وُضعت خطط للتحول المؤسسي منذ 2017 وحتى 2030. وخلال مدة وجيزة تحققت نجاحات من خلال تعزيز الاستدامة المالية، وتحسين البيئة المؤسسية، والتقدم التقني، وتوسيع نطاق الخدمة، وتحقيق الأثر المجتمعي، والحصول على جوائز التميز. حتى أصبحت الجمعية أنموذجاً يحتذى به بين الجمعيات غير الربحية والشركات الخاصة في العمل المؤسسي والاحترافي.
أخيراً، إن عوامل النجاح في إدارة التغيير تكمن في القيادة المؤثرة، والشفافية والتواصل، والمشاركة الواسعة. كما نحتاج إلى تخطيط منهجي، واهتمام بالأفراد، وصبر ومثابرة، وقياس مستمر.