يصادف الثامن عشر من ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية. ويحتفل العالم العربي والإسلامي بهذا التاريخ؛ لكونه اليوم الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3190، الذي يقضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الأمم المتحدة. وقرر المجلس الاستشاري لمنظمة التربية والثقافة والعلوم التابع للأمم المتحدة "اليونسكو" تخصيص الثامن عشر من ديسمبر يومًا عالميًّا للاحتفال باللغة العربية. ويهدف الاحتفال (الاحتفاء) إلى إعادة لفت الانتباه إلى أهميتها، وجمالها، واستحضار قيمتها العالية التي تمثل ما يشبه الاتفاق الجمعي العالمي على مكانتها في الحضارة البشرية. ويتحدث اللغة العربية أكثر من 422 مليون شخص، ويطلق عليها لغة "الضاد"؛ إذ تختص وحدها بهذا الحرف؛ إذ لا يوجد في أي من اللغات الأخرى. وهي من اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الآسيوية الإفريقية. وتعتبر من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في (الإنترنت)، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًّا، وهي ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين؛ فهي لغة القرآن الكريم.
يُعتبر مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية شريكًا استراتيجيًّا لمنظمة "اليونسكو"؛ وذلك لما يمثله المركز بوصفه أحد أبرز الجهود السعودية في العناية باللغة العربية عالميًّا ومحليًّا؛ إذ يشارك المركز في الفعاليات والمؤتمرات التي تعنى باللغة العربية. ومن أهم أهدافه إيجاد البيئة الملائمة لتطوير اللغة العربية وترسيخها ونشرها، وإعلاء مكانتها في المحافل الدولية. كما أن للمركز حضورًا بارزًا في المناسبات كاليوم العالمي للغة العربية، وذلك من خلال الشراكة مع ملحقيات ثقافية عدة في سفارات خادم الحرمين الشريفين في الخارج لتنظيم برامج وفعاليات في دولها؛ وذلك لتمتين مرجعية المملكة العربية السعودية في خدمة اللغة العربية.
تشرفتُ "شخصيًّا" بالمشاركة في تنظيم برامج ثقافية عدة، تليق بحجم هذه المناسبة، إبان عملي مشرفًا ثقافيًّا وإعلاميًّا ومشرفًا على أندية الطلبة بالملحقية الثقافية في الأردن، من خلال عدد من الفعاليات، تشمل أنشطة ومعارض (لوحات فنية لجماليات اللغة)، وورش عمل في الخط العربي، ومحاضرات وندوات تستهدف الأساتذة والعلماء والمهتمين من (غير الناطقين بها). كذلك الطلبة العرب وغير العرب الدارسون في الجامعات الأردنية، إضافة إلى بعض البرامج الترفيهية الخاصة بالأطفال التي تهدف إلى تشجيع وتنمية قدراتهم الإبداعية ومواهبهم المتعددة في التعبير عن حبهم للغتهم الأم (اللغة العربية).
هنا نقول: وفي هذا اليوم بالذات تستوقفنا العديد من الأخطاء الشائعة من داخل "وطني"، منها المضحك، ومنها المضحك المبكي؛ وذلك للمستوى الذي وصلت إليه لغتنا الأم (اللغة العربية) في عقر دارها! فكثيرًا ما يحز في النفس والأسى ونحن نقرأ (بعض) اللوحات الإرشادية في الشوارع أو اللوحات الإعلانية فوق المتاجر (المحال) التجارية وهي مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية؟!! وذلك بعد أن سمحنا لأنفسنا وأطلقنا العنان لكل من (هب ودب) من أصحاب الوكالات والمؤسسات المتخصصة "المصرح لها نظامًا"؟! الذين توكل إليهم مهمة كتابة اللوحات الإرشادية ولافتات الإعلانات (الإشهار)، والذين لا يهتمون بما يكتبون لثقتهم بأن "العرب" لم يعودوا مهتمين كثيرًا بلغتهم، فضلا عن أن هؤلاء العمال بمسمى "خطاطون" لا يتحدثون العربية لا نطقًا ولا كتابة.. بل "يرسمونها" رسمًا؟! كما أن للأخطاء الشائعة "الكثيرة" ملعبها؛ فهي أضحت بمنزلة القوت اليومي في كل "مقروء" و"مسموع"؟!..
فاللغة العربية الفصحى رغم تراجعها في "الإعلام الجديد"؟! فإنها لن تختفي؛ فهي محفوظة من الخالق – عز وجل - لأنها لغة القرآن الكريم. لكن "المشكل" يكمن في طريقة تعامل أبنائها معها؛ إذ نجد أن وسائل الجذب والتحفيز على تعليم هذه اللغة في المدارس غائبة. ومن ناحية أخرى تبدو المناهج التعليمية، خاصة فيما يتعلق باللغة العربية، مناهج موجهة لصناعة كارهي اللغة العربية؛ فتبدو قواعد النحو بالنسبة إلى الطلاب معقدة وتجريدية بصورة كبيرة؛ إذ لا يتم تدريب معلمي اللغة على تبسيط هذه القواعد، وربطها بالحياة اليومية؛ الأمر الذي يخلق رغبة في نسيانها بمجرد اجتياز اختبارها.. ودائمًا تقدَّم بشكل جامد وصارم عكس اللغات الأخرى. كما أن الأسرة العربية الآن أصبحت تتباهى بتحدث أطفالها وأبنائها الإنجليزية أو الفرنسية على حساب العربية. ومهما حاولنا إقناع الأب والأم بأن هذا الأمر خطأ فكلامنا مرفوض، ولا معنى له، بل ربما يتم تصنيفنا في "خانة" التخلف والجهل، أو تلصق بنا تهمة "الرجعية" وعدم مواكبة العصر و(الظهر) و(الفجر)؟!!
فوسائل الإعلام الجديد –للأسف الشديد- تعتبر أحد "أهم" أسباب تراجع الاعتماد على اللغة العربية الفصحى بعد ظهور العديد من البرامج الحوارية التي يكون الاعتماد فيها على اللهجات المحلية للدول صاحبة البرنامج "القناة"، أو بلهجة من يقدم البرنامج؟! أما البرامج الإذاعية "فحدِّث ولا حرج"؛ فكلها تحولت لبرامج جماهيرية خفيفة، تعتمد على الغناء وحوارات "بلهجات" محلية و(تقليعات) يُقال إنها شبابية؟! فنحن بحاجة إلى وجود برامج تتخذ من العربية الفصحى أساسًا لها؛ لأن لغتنا الجميلة حاليًا تتعرض لانتهاكات كبيرة وكثيرة، هدفها ضرب هذا المتراس الثقافي الذي يعتبر علامة بارزة من علامات توحيد هذه الأمة وارتباطها بلغة القرآن الكريم. وجرت هذه الانتهاكات تارة باستخدام اللهجات المحلية، وأخرى ببعض الألفاظ من الإنجليزية أو الفرنسية.. لكن الطامة الكبرى ظهرت في الآونة الأخيرة بعد انتشار العديد من "الكلمات" التي ليس لها أصل و(لا فصل) في اللغة العربية، ولا حتى في "لغات العالم"، بل أصبحت (تمسينا) وأمست (تصبحنا) هذه الكلمات والمصطلحات عبر هذه الإذاعات والقنوات الفضائية، التي أقرب ما يقال عنها بـ "الهرطقة" (الإتيان بالبدع المخالفة لأصول اللغة)؟!!
فهذه الإذاعات والقنوات الفضائية اعتمدت على العديد من المذيعين والمذيعات الذين لا ينطقون العربية بشكل سليم؛ ولهذا استخدموا بعض اللهجات العامية. ويعتبر طغيان هذه اللهجات مؤشرًا خطرًا على انحدار اللغة العربية؛ فتنازل العديد من الإعلاميين عن معايير النطق السليم، التي من شأنها التسبب في مزيد من التلوث السمعي.
أخيرًا.. لنبدأ اليوم، فقط اليوم، كـالقيام بـ "تجربة" الحديث باللغة العربية الفصحى مع المحيطين بنا في مجتمعنا: الأب مع أبنائه.. المعلم مع تلاميذه.. المدير مع موظفيه.. (الأصدقاء، حتى الأصدقاء من غير العرب).. فقط لنتشجع ونحاول كذكرى (تذكار) لهذا اليوم (الثامن عشر من ديسمبر) العالمي للغتنا العربية.
نتمنى، بل نرجو من مشاهير الإعلام في (السوشيال ميديا)، خاصة مشاهير "الطائر" الجديد (السناب شات)، أن يتبنوا هذا المقترح.. ويتم ترويج "شعار" هذا اليوم (18 ديسمبر) العالمي عبر قنواتهم و"حوائط" متصفحاتهم.